يؤخذ مفهوم الإجازة عند أناس على أنه ممارسة ما لم يمارسوه طوال فترة العمل الوظيفي أو التحصيل الدراسي، كالسَّفر المتكرر والنوم الطويل والرحلات والسَّهر، ويؤخذ عند آخرين على أنه فرصة للتزود من مناهل المعرفة لإثراء الفكر والرقي بالذائقة، والسياحة (الفكرية) مع ثمرات عقول الآخرين وأفكارهم من خلال الاطلاع على مؤلفاتهم الفكرية والأدبية والشرعية والعلمية وغيرها. وعند البحث عن موقع (القراءة) من وقت المواطن العربي نجد أمامنا أربع حالات: فهناك مَن زاوج بينها وبين العمل والتحصيل حتى إذا ما حلَّت الإجازة السنوية أعطى نفسه (إجازة مؤقتة) من القراءة أسوة بالعمل والتحصيل، وهناك مَن هو منشغِلٌ بالعمل الوظيفي والتحصيل مع تقصير في القراءة وعندما حلت الإجازة عقد العزم على التعويض، وهناك من هو على وفاق دائم مع القراءة خلال فترتي العمل والإجازة، وهناك مَن هو في إجازة مفتوحة من القراءة وفي خصام دائم معها سواء في فترة العمل والتحصيل أو خلال موسم الإجازة. والحقيقة أن الغالبية يدورون في فلك الحالة الرابعة بمعنى أنهم في (إجازة مفتوحة) من القراءة! مأساة القراءة في المجتمع العربي معروفة لدى الباحثين والمهتمين بأمرها، فهي لا تَشغل حيزًا في اهتمامات العربي الذي شُغِل بأمور طغت على فضيلة القراءة لديه، لذا فلا غرابة أن نجد العرب في مؤخرة الركب الأُممي وقد أصبحوا منقادين بعد أن كانوا قادة، وحلَّت بهم النكبات وتداعت عليهم الأمم. ما دِلالة أن يصدر كتاب واحد لكل (12000) مواطن عربي مقابل كتاب واحد لكل (500) مواطن إنجليزي؟ وبماذا تشي (4%) هي معدل قراءة العربي سنويًّا من معدل قراءة الإنجليزي بحسب تقرير مؤسسة الفكر العربي؟ لعلنا نقف على بعض أسباب عزوف العربي عن القراءة التي يأتي في مقدمتها التربية الأسرية التي لا تُعنى بعادة القراءة ولا تحث عليها، فالوالدان ليس لديهما اهتمام بالقراءة وهذا يؤدي حتمًا إلى (اغتراب) القراءة عند الأبناء، من الأسباب كذلك طغيان الحياة المادية ووسائل الإعلام المرئية المسموعة على المصادر الأصلية لتلقي المعرفة، كذلك فعدم توفير الوالدين مكتبة منزلية يشعر الأبناء بعدم أهمية القراءة، لذا أجزم أن أوَّل خطوة لتحبيب الأبناء في القراءة هي وجود مكتبة منزلية (مشاعة) في مكان (بارز) من المنزل بحيث لا يُحجَر على محتوياتها ولا يُمنع الدخول إليها، أمّا إنْْ تعلل الوالدان بالظروف المادية فيرى الدكتور (عبدالكريم بكَّار) في كتابه (القراءة المثمرة) أن «تخصيص (2%) من مصروف أية أسرة كافٍ لتأمين عدد من الكتب متوسطة الحجم .. وتأسيس مكتبة قيِّمة في المنزل»، ثم إن ممارسة الوالدين لعادة القراءة أمام الأبناء يشعرهم بفضيلتها وأهميتها، وإشادتهما بالعلماء والمفكرين والأدباء الذين برعوا في مجالاتهم نتيجة ممارسة عادة القراءة يؤدي بالأبناء لسلوك مسلك هؤلاء البارزين ومحاكاتهم. وليعلم الوالدان أن ضياع قيمة القراءة لدى أبنائهم منذ صغرهم وعدم تعويدهم عليها يؤدي بهم إلى الضعف القرائي الذي ينجم عنه على رأي (فهيم مصطفى) في كتابه (الطفل والقراءة) «الشعور بالخيبة وضياع الثقة بالنفس، مما يؤدي إلى الانحرافات السلوكية». كم هو مؤلم أن ترى المكتبات العامة والتجارية شبه خالية من المرتادين! وكم هو مؤلم ألا تجد مَن يقرأ حتى الصحف ورقيةً كانت أو إلكترونية! وكم هو مؤلم أن يعطي العربي (بطنه ورجليه) الساعات الطوال ويبخل على فكره بدقائق! كم هو مؤلم أن يبدأ القرآن ب(اقرأ) ونجعلها في مؤخرة اهتماماتنا! أخيرًا.. متى سنرى العربي يتعاطى القراءة في الحِل والسَّفر وكل مكان كشعوب الأرض؟ وهل آن الأوان لنعقد وفاقًا (مستمرًّا) بين الإجازة والقراءة بعد فترة التضاد والقطيعة؟ [email protected]