كنت قد تشرفت باجراء دراسة علمية عن استعمال المضادات الحيوية في صناعة الدواجن بالمنطقة الشرقية من المملكة بتمويل من مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية. تلك الدراسة كشفت سوء استخدام المضادات الحيوية في انتاج الدواجن بصورة غير مقبولة قياسا الى المسموح به عالميا، ولقد خلصت الدراسة الى توصيات عدة أهمها: إزالة النتّافات من الشوارع العامة داخل المدن كونها مظهرا غير حضاري ويسهل تسويق دواجن غير مطابقة للمواصفات الصحية ، انشاء مسالخ مركزية للدواجن في كل مدينة على غرار مسالخ الماشية حيث يمكن الكشف عن وجود أي مخالفات قبل ذبح الدواجن وتسويقها للمستهلك وكذلك الاهتمام بتصنيع الأعلاف وأن يكون ذلك منفصلا عن الانتاج حيث يتم خلط المضادات مع الاعلاف بطريقة غيرعلمية. وزارة الزراعة عامل مهم في أسباب زيادة أسعارها هذه الدراسة حظيت بتغطية اعلامية جيدة ومن ثم تمت مناقشتها في مجلس الشورى بحضوري شخصيا وعدد آخر من أساتذة الجامعات السعودية وأوصى المجلس بتطبيق توصياتها، وقد تم ذلك بأمرسامٍ كريم . والحقيقة انما الذي تم تطبيقه فقط هو إزالة النتّافات وذلك من خلال جدية وزارة البلديات والشؤون القرية في تطبيق الشق التنفيذي الذي يخصها مما ازاح عامل المنافسة التسويقي بين صغار وكبار المنتجين ليرتفع السعر مبدئيا من 8 ريالات الى عشرة ريالات عند بداية التطبيق ولكن تقصير وزارة الزراعة في إنشاء مسالخ مركزية تشرف عليها في المناطق المختلفة أو على أقل تقدير تشجيع أصحاب المزارع النموذجية التي تساهم الوزارة في دعم انشائها من خلال البنك الزراعي على انشاء مسالخ خاصة بها أسوة بكبار المنتجين تسبب في احتكار الشركات الكبرى وسيطرتها على صغار المستثمرين مما تسبب في خروج صغار المنتجين وعزوفهم عن الإنتاج لانهم يبيعون انتاجهم لكبار المنتجين بسعرلا يتجاوز سبعة ريالات في ذات الوقت الذي يتحملون فيه مخاطر الانتاج كالنافق الطبيعي أو الناتج عن انتشار وباء قاتل للدواجن. هذا العامل وحده قلص انتاج المملكة من الدواجن بنحو 40%. شخصيا لا زلت أوصي بأن تكون للمسالخ مؤسسات خاصة تحت اشراف وزارة الزراعة او البلديات والشؤون القروية بعيدا عن المنتجين لكي تقوم المسالخ بدور رقابي على جودة الانتاج ومطابقته للمواصفات الصحية العالمية، ولكن في ظل عدم وجود هذه المسالخ المركزية التي تشرف عليها وزارة الزراعة من المهم جدا تشجيع عنصر المنافسة بمساعدة صغار المنتجين على انشاء مسالخ خاصة بهم . وزارة الزراعة ايضا مقصرة في الاشراف على جودة الاعلاف وهي ان دعمت اسعارها فذلك ايضا يذهب لكبار منتجي الدواجن ولا يستفيد منه صغار المنتجين وكان الأولى ان يتم توجيه الدعم للمصانع النموذجية بعد ان تحدد الوزارة سعر بيع الاعلاف المصنعة على عموم منتجي الدواجن الصغار والكبار ايضا ولكن حاليا يتلقف الدعم بعض اصحاب المزارع الكبرى الذين يصنعون الاعلاف ايضا بعيدا عن رقابة الوزارة وينتجون ايضا الصوص ليمونوا على صغار المنتجين بالاعلاف والصوص معا مقابل احتكار شراء انتاجهم بسعر بخس لا يتجاوز 7 ريالات وهي قيمة التكلفة الحقيقية مع هامش ربح قد لا يتجاوز نصف ريال ومن الجدير بالذكر ان اغلب الشركات الكبرى تخلت عمليا عن انتاج الدواجن واكتفت بانتاج الصوص والاعلاف ثم تسويق منتجات صغار المنتجين حيث تحقق ربحا يصل الى 100% دون ان تتحمل عبء الانتاج ومخاطره. عامل مهم آخر تسبب في قلة الانتاج وهي الشروط التي تم استحداثها لانشاء مزارع دواجن جديدة بحيث تبعد عن اقرب تجمع سكاني بما لا يقل عن 10 كيلومترات واحسب ان هذا الشرط غير واقعي في ظل التمدد العمراني الذي تشهده المملكة الا ان تكون مزارع الانتاج في منطقة صحراوية تفتقد للكهرباء والخدمات الأخرى ولو طبق مثله في فرنسا لما وجدنا هذه الدواجن المستوردة منها لكثافة السكان وانتشار العمران وكان الاولى والوزارة معنية هنا بحماية البيئة أن تبحث عن اشتراطات علمية فمسافة 3-5 كيلومترات عن التجمعات السكانية ستكون كافية اذا تم تصنيع البيوت بطرق علمية تحتوي فلاتر وادوات تسيطر على انبعاث الروائح وكذلك طرق علمية للتعامل مع مخلفات الدواجن من خلال ايجاد مستودعات تجفيف وتعقيم علما بأن التعامل مع مخلفات الدواجن صناعة قائمة بذاتها . وعودا على بدء ارى ان ارتفاع اسعار الدواجن نتاج جشع كبار المشتغلين بصناعة الدواجن ساهمت الوزارة فيه من خلال تجاهل تطبيق كل التوصيات وتجاهل ملاحظات صغار المستثمرين واخشى ما اخشاه هنا ان جودة المنتج ومطابقته للمواصفات الصحية العالمية لم يطرأ عليهما تغيير في ظل غياب الرقابة الصحية المسبقة قبل ذبح الدواجن كما اوصت الدراسة . * رئيس قسم علم الأدوية كلية الطب جامعة الدمام