في الوقت الذي يسعى فيه قادة الأمة للسيطرة على الشارع الإسلامي وضبط حركته بمقاصد الشريعة المتفقة مع العقل ومقتضيات المصلحة السياسية؛ لتكون ردود الفعل تجاه الإساءات المتكررة للمصطفى صلى الله عليه وسلم ذات مردود إيجابي ينتج عنه احترام الآخر لديننا ومقدساته، ويلزم العالم أخلاقياً بضرورة تجريم ازدراء الأديان، في ظل هذا كله تخرج علينا إيران بمشروع فيلم سينمائي تجسد من خلاله شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم بحجج واهية ظاهرها حق يراد به باطل، رغم معرفتها بإجماع الأمة على حرمة ذلك، بما في ذلك المراجع الشيعية المعتبرة لما له صلى الله عليه وسلم من مكانة وقدسية؛ فهو صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى، والأمة تتعبد بقوله وفعله وإقراره؛ فتجسيد شخصه صلى الله عليه وسلم بأي شكل أدبي أو فني سيكون له بالضرورة مساس بمعتقد أمته المؤمنة بسنته وحجيتها. وقد قرر علماء الأمة قديماً وحديثاً ان مما هو معلوم من الدين بالضرورة أن الله تعالى فضل الأنبياء والرسل على غيرهم من سائر الخلق، ومحمد صلى الله عليه وسلم هو خير الأنبياء وأفضلهم، وهذا التفضيل الإلهي يقتضي توقيرهم واحترامهم، وتمثيل الأنبياء يفتح أبواب التشكيك في أحوالهم والكذب عليهم إذ لا يمكن أن يطابق حال الممثلين حال الأنبياء في أحوالهم وتصرفاتهم وما كانوا عليه عليهم السلام من سمت وهيئة وهدى؛ فينطبع في ذهن المشاهد اتصاف النبي بصفات الممثل، إضافة إلى أن ضرورة الحبكة السينمائية تفرض على كتاب السيناريو الإضافة الخيالية ليكون النص قابلا للتمثيل والإثارة المطلوبة للفوز بالمشاهد، ومن هنا يمثل هذا المشروع الإيراني تجاوزاً خطيراً للثوابت التي أجمعت عليها أمة الإسلام، وإن فيه إذناً للآخرين بتجسيد النبي الكريم صلى الله عليه وسلم والتعدي عليه عن قصد أو بدونه، وهو أيضاً فتح لباب واسع من أكبر أبواب الشر والفتنة على الأمة في وقت هي في أمس الحاجة لما يقرب بين أفرادها ويجمع مصالحها ويؤكد وحدتها ويجعل اختلافاتها من باب خلافات التنوع لا خلافات التضاد، وهو ما سعت له المملكة قولاً وعملاً منذ تأسيسها وحتى اليوم، وما دعوة خادم الحرمين الشريفين في مؤتمر التضامن الإسلامي الذي عُقد في مكةالمكرمة بدعوة ومبادرة من قيادة المملكة بتأسيس مركز للحوار بين المذاهب الإسلامية (يكون مقرة مدينة الرياض) إدراكاً من قادتها وفقهم الله لكل خير على ضرورة فعل كل ما من شأنه أن يجمع الأمة ويحد من خلافات التضاد التي امتلأت بها ساحات المسلمين اليوم، وهو تأكيد عملي آخر على المنهج الوحدوي للمملكة، في المقابل تقول إيران قولاً وحدوياً لا يتجاوز حدود الشعارات لا يصدقه فعلها على الأرض، بل الأدهى والأمر أن فعلها وممارستها في الواقع الملموس على عكس شعاراتها وكأنها دولة مستقلة بدينها لا علاقة حقيقة لها بالأمة الإسلامية؛ فمصلحة إيران الدولة مقدمة على المصالح العليا للأمة حتى وان توافقت مصالحها مع مصالح أعداء الأمة، وهذا حال الدول التي تسعى للهيمنة وإلغاء الآخر، وأهم أدوات إيران ما يعرف بالقوة الناعمة من خلال السعي الحثيث للسيطرة على الإنتاج الدرامي الديني خصوصاً الإنتاج ذا البعد الدولي؛ فنجد إنفاقاً مالياً هائلاً رغم الضائقة التي يعيشها الشعب الإيراني؛ فالموارد مسخرة للمجهود الحربي التقليدي والنووي والإنتاج السينمائي وإنشاء القنوات الإخبارية الدعائية، وهو ما يفسر وجود هذا المشروع في الأصل، ومعنى توقيت الإعلان عنه وكذلك حالة التجاهل لردود المسلمين والإصرار عليه، وهذا النوع من الدول لا تعرف إلاّ لغة المصالح وحسابات الربح والخسارة؛ لذلك لا أتوقع تراجعاً إيرانياً في مسالة تجسيد شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم، إلاّ عندما تدرك حجم خسائرها التي سوف تحصدها نتيجة لردود فعل العالم الإسلامي الذي سوف يتجاوب مع حالة الاستياء الشديدة التي عبرت عنها المملكة؛ انطلاقاً من غيرتها الدينية وحرصها على العقيدة الإسلامية ومن واجباتها التي فرضتها مسؤوليتها في العالم الإسلامي وخدمتها للحرمين الشريفين، ولاشك عندي أن جميع المسلمين سوف يهبوا للدفاع عن نبيه الكريم من خلال الإنكار والشجب العام الرسمي والشعبي من مختلف مكونات الأمة الإسلامية والقطاعات الدينية والثقافية والسياسية الإسلامية، وعلى الخصوص المراجع الشيعية التي لا نشك في غيرتها على الإسلام ونبيه الكريم صلى الله عليه وسلم وان اختلفت الرؤى والمنطلقات، وكذلك لا نشك برجاحة العقل الوحدوي لدى المثقف الشيعي العربي فهذه الأزمة فرصة حقيقية لهم لوضع الأمر في نصابه في العالم الشيعي المعاصر ومحطة اختبار حقيقية للتيار العربي الشيعي في مواجهة التيار الفارسي ليكون عونا للتيار الإصلاحي غير التوسعي في إيران المنفتح على ثقافات الآخر غير الفارسي، خصوصا الثقافة العربية وكذلك المتحرر من ولاية الفقيه. * رئيس قسم الإعلام- جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية