عن قريبة متأملة عن طفولة زوجها، عن رؤى جده، عن الحياة زمان شاهدت معها هذه الصورة: كان الصبي فى الثامنة من عمره يعيش مع جده فى احدى الدول المجاورة ويذهب لاحدى المدارس الخاصة عندما لاحظ ان اقرانه من الاسر المقتدرة يتحدثون كثيرا عن الهاتف فى بيوتهم، بل ويتباهون بأنهم يحادثون بعضهم بعضا. فما كان منه إلا ان تمنى ان يكون فى بيتهم هاتف، وعندما سمع جده يناقش الموضوع ذات يوم مع اهل البيت تشجع قليلا وتساءل، لمَ لا يكون لدينا تليفون؟ ويبدو ان اجابة الجد كانت جاهزة، فقد اوضح له كيف ان الناس حينما يعودون لبيوتهم بعد يوم عمل او دراسة، كيف انهم يحتاجون الراحة والخصوصية، واستطرد " تصور ان يكلمك احد وانت بالبيت تريد ان تنام قليلا بعد الغداء ماذا يحدث؟ واجاب الصغير ببراءة " ماذا؟ قال الرجل المحنك معترضا " سوف يكون صديقك عندك بالبيت فى وقت راحتك ! " كيف يعنى " " يعنى لن تكون وحدك واكيد لن تنام وترتاح " جاءته الرؤية مفسرة. الان يدرك بالطبع ان القصد من الراحة ذلك الوقت لم يكن نوم القيلولة فقط، وانما الابتعاد عن الضجيج والناس والزحام ايضا، وهو ما كان يميز الحياة بالاسواق ذلك الزمن وكان جده تاجرا يخوض تلك الاجواء يوميا. البحث عن السكون؟ ربما.. غير أن الوضع تغير بعدها وجاء الهاتف واقتنع الجد انه وسيلة تساعده فى ادارة امور العمل ولكن مع ذلك، ظل يطلب من حفيده ان يدق له الارقام كلما احتاج ان يجرى اتصال، كما يحدث الان مع بعض الاجيال من الذين لم يعتادوا بعد استخدام الهواتف الذكية او الكمبيوتر. الحاضر بكل خياراته وادواته لم يعد يسمح للناس بالسكون الجميل حتى عندما يختارونه إلا من خلال الانزواء قليلا فى جزر هادئة او برارٍ ساطعة يخيمون فيها وتلاحقهم فيها الاقمارالصناعية وخطوط هواتف متصلة! فقد هيمنت ثورة الاتصالات وتلاحقت بعدها الصور لتغير من ثقافة التواصل بين الناس، ولتطرح نماذج جريئة من التفاعل الاجتماعى بينهم لم تكن موجودة من قبل او ربما لم تكن فى حالة وضوح كما هو حاصل فى الحاضر الان. وبداية فرحنا بقدرة التواصل المتحرك فى بداياته واذكر الان كيف كنا نرتاح لقدرتنا الاتصال مع الابناء للاطئنان عليهم خاصة وقت السفر، وكيف كنا نتندر من الذين يمشون وأيديهم تحمل الهاتف وكأنه جزء لايمكن الاستغناء عنه ثم اكتشفنا كيف تحررت الناس من اتيكيت التواصل الاجتماعى. فقبل مرحلة الجوال كانت اجابة من لا يريد الرد على مكالمة، عذرا بأن المطلوب إما بالخارج او فى اجتماع او نائم او فى الحمام. الان يطلب الناس احيانا ارقاما ولا يرد عليهم احد، فقد اصبح مقبولا تجاهل المكالمة او يرد لك المطلوب المكالمة فى وقت آخر إن كان مشغولا، غير ان المريح هو فى وجود ميزة الرسائل" المسجات" فهى بالفعل تغني عن إضاعة الوقت احيانا وتقدم المهم.. طبعا لم نتطرق لاساليب الهاكرز ومغامراتهم المتطورة حتى على مستوى الحكومات والمؤسسات ذات العلاقة، غير اننا نعرف الان ان من برامج كاميرات المراقبة فى البيوت ميزة التواصل عبر الانترنت فتستطيع ان كنت فى اى بلد ان ترى ما يدور فى بيتك وأماكن وضع الكاميرات من الي فون او اللاتوب. وعليه، فمن الممكن ان تكون رؤية الجد فى بداية المقال صحيحة فى زمننا هذا، ويصبح الاتصال وسيلة استقبال مرئية فى البيوت بالفعل.