استنكر الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد بعض مظاهر التنديد التي شهدها الشارع العربي و الإسلامي ردا على الفيلم الأمريكي المسيء للرسول محمد عليه أفضل الصلاة و السلام . و قال رئيس مجمع الفقه الإسلامي الدولي و المستشار بالديوان الملكي في لقاء خاطف مع "الرياض" قبيل مغادرته مطار الجزائر الدولي بعد مشاركته في أشغال الدورة ال 20 لمجمع الفقه الإسلامي بمدينة " وهران " غرب العاصمة الجزائر: إن على المسلمين اليوم مراجعة أساليب الردّ على حملات التشويه التي تطال دينهم الإسلام التي يعيبها التعنيف و المساس بالأرواح و الممتلكات و هذا لسبب واحد و هو أن العنف لم يكن يوما من أخلاق نبي الأمة محمد ولا من تعاليم الإسلام السمح. و فيما يلي نص اللقاء : * تزامن اجتماع الجزائر مع التداعيات التي أحدثها الفيلم الأمريكي " براءة المسلمين " الذي يتطاول على الرسول الكريم و يشتم و يسب المسلمين ، وفي البيان الختامي للاجتماع تم التنديد بهذا العمل ، ألا تعتقدون أن بقاء العرب والمسلمين مجرد منددين بما يطال معتقداتهم و هويتهم وراء تمادي الآخر الغربي في التطاول عليهم و تحقيرهم ؟ هناك ضوابط تحكم «عقوبة الإعدام» والشرع أقر الحدود للردع والتحذير - لقد ألقت تداعيات الفيلم الأمريكي المسيء للإسلام و المسلمين بظلالها على أشغال اجتماع وهران و على ما كان يدور في الهامش و في جلسات النقاش خارج القاعة . صحيح أن الفيلم يمس مقام الرسول صلى الله عليه و سلم و هو الذي لا يجوز أن يمّس ، و أهان المسلمين و هو ما لا يجب السكوت عليه ، ليس معنى هذا أننا ضد حرية التعبير لكن ضد التطاول المجاني على معتقدات الشعوب و مقدساتهم و ثوابتهم بدعوى حرية التعبير . و لهذا لم يكن ممكنا أن نختتم اجتماع وهران دون أن نضمّن البيان دعوة لقادة الدول التي صدرت فيها الأعمال المسيئة للإسلام نناشدهم فيه منع نشر هذه الأعمال وعدم الاكتفاء بالإدانة التي لا تقود إلى محاسبة مرتكبي هذه الأعمال المشينة وهذا مقابل حث قادة الدول الإسلامية على اتخاذ مواقف حازمة تجاه هذه التصرفات و تشديد اللهجة تجاه قادة الدول التي تصدر فيها الأعمال المسيئة للمسلمين كتحذيرهم من مغبة آثارها على مصالحها ومستقبل العلاقات بين الشعوب والحضارات. * مظاهر نصرة الرسول و الإسلام ميزتها أعمال عنف شهدتها عدد من الأقطار العربية و الإسلامية ، هل تبررون مثل هذه الأعمال أم تراكم تعتقدون أن مثل هذه الأساليب في الرد على من يتهمنا بالعنف قد تعزز القناعات الخاطئة المسبقة التي لديه عنّا ! - المسلمون حكاما و شعوبا غيورون على دينهم ، نحن كعلماء و مفكرين نقدّر مشاعر الغيرة لدى العامة و لكن ما يعاب على الشارع العربي و الإسلامي عامة هو أساليب التنديد التي يتم تبنيها للرّد على حملات التشويه و التحقير التي تطال المسلمين و لهذا السبب لم يخل البيان الختامي لاجتماع وهران من التنبيه إلى هذه الحقيقة حيث دعا المجتمعون و غالبيتهم فقهاء و دعاة و علماء و خبراء المسلمين أفرادا وجماعات إلى تفنيد هذه المواقف المشبوهة وأن يكون تعبيرهم عن نصرة نبيهم صلى الله عليه وسلم سلميا منضبطا بقواعد الشرع دون تعد على الأنفس والممتلكات والبعثات الدبلوماسية التزاما بتعاليم الإسلام وقيمه. وحث البيان على ضرورة التأسي بنهج المصطفى عليه الصلاة والسلام وتجسيد قدوته على أرض الواقع، والعمل على نشر رسالته التي جاءت رحمة للعالمين وتصحيح الصورة الخاطئة التي يحاول تبنيها أعداء الإسلام وخصومه . * بعيدا عن تداعيات الفيلم الأمريكي المسيء لأفضل خلق الله ، تردد أن اجتماع وهران خرج متفرقا حول قضايا شرعية خلافية انقسم حولها المشاركون.. - لم يخرج اجتماع الجزائر متفرقا حول قضايا خلافية . لقد قرأت القرارات و اتفق الجميع عليها ممثلين لمختلف المذاهب الإسلامية . فلقد ناقش المشاركون الذين مثلوا 57 دولة طيلة خمسة أيام كاملة ( من 13 إلى 18 سبتمبر) تسعة مواضيع رئيسية أهمها الصكوك الإسلامية و التأمين التعاوني الإسلامي و أحكام الإعسار في الشريعة الإسلامية وعقوبة الإعدام في النظر الإسلامي وحقوق المسجون في الفقه الإسلامي، كل القرارات التي صدرت بشأن هذه المواضيع أجيزت كلها بالإجماع ما عدا قرار واحد و هو الجينات الوراثية ، والأخير أجّل لمزيد من الدراسة و المناقشة قصد الفصل فيه في المواعيد اللاحقة . لم يكن هناك خلاف على القرارات و لكن كان هناك نقاش علمي اندرج في إطار حرية الرأي فالاجتماع حضره علماء دين و فقهاء و خبراء و لكل اجتهاداته الفقهية و العلمية. * تردد أن موضوع عقوبة الإعدام كان من المواضيع التي تباينت حولها آراء المجتمعين ، كيف تمكن المشاركون في اجتماع وهران من التوافق حوله خاصة و أن الدعوات لإلغاء هذه العقوبة ما تزال قائمة لأنها عقوبة موت تحرم الإنسان من الحق في الحياة مثلما تردده العديد من جمعيات حقوق الإنسان في العالم ؟ - اجتماع الجزائر شارك فيه علماء يعرفون أحكام الشرع و يعرفون ما يطرح في الساحة من أفكار و يعرفون ما يقوله الآخر الغربي و هم على قناعة تامة بالأحكام الإسلامية التي لا خلاف عليها على رأسها مسألة الحدود و القصاص أما عقوبة الإعدام التي تتعالى الأصوات داعية لإلغائها و هذا في كل الدول العربية بما فيها المملكة العربية السعودية فلا تكون إلا في أضيق الحدود ووفق ضوابط صارمة و إلا عندما تستجمع كل الظروف و تنتفي كل الموانع . نفس الشيء بالنسبة للحدود الشرعية فهذه الأخيرة لا تكاد تقام إلاّ عندما تستوفى كل الشروط . فعلماء المسلمين ذكروا شروطا مشددة لقطع اليد تظل غاية في الدقة و حتى في التاريخ الإسلامي و في عز دولة الرسول صلى الله عليه و سلم لم تقطع أيادي أكثر من خمسة أشخاص عبر الخمسة عشر قرناً. إن الشرع أقّر هذه الحدود للتحذير والذكر و الردع و ليس شهوة في تعذيب الناس و تلذذاً بقطع أيديهم و أرجلهم.