تألق الحرف في شاطئ الشعر وأضاء البدر في أمسية شعرية على نجوم مشرقة أتحفتنا بها الشاعرتان د.فاطمة القرني، وغيداء المنفى سكبتا إبداعهما شعراً، فأطربتا الحضور المتميز وغمرته بأحاسيس مرهفة ومشاعر عذبة تحت إدارة الشاعرة الدكتورة فوزية أبوخالد، وذلك ضمن النشاط الأول للجنة النسائية بالنادي الأدبي بالرياض بمكتبة الملك عبدالعزيز العامة بالمربع. قدمت د.فوزية أبو خالد قائلة «الشاعرتان شبيهتان «بشموخ نخل الجزيرة العربية من شلالات سرابها وعذوبة بحرها واندلاعات مستقبلها». وعن الشاعرة غيداء المنفي قالت: «هي تلك التي أرست بروق القصائد باكراً في مطلع القرن الهجري فأثارت الأسئلة والدهشة إلا أنها على ما يبدو ما لبثت أن اختطفت ليلة العرس، غير أن شهوة الشعر لم تبرح تهتف بالشاعرة إلى أن استعادتها لنا قصائد واعدة بالشموس والمطر معاً، وكأن يد المكان وعقارب الساعة لم تفلح ولن تفلح في إطفاء جذوة إيقاعات القلب ونبضه». وتتالت على الحضور قصائد غيداء المنفى هادئة النبرات، وشوشتهم ببوح بليغ، حدثتهم عن «مليحة النساء» تلك التي (وجهها أرض من العشب.. وغيم ومطر هي إعلان وجودي وغنائي وارتمائي هي وجه غجري صادقته الريح والأمطار ... هي مهر عربي تحمل الماء وشعر جاهلي يكتب الياء هي حسن أبجدي.. وغناء). وحدثتهم عن فلسطين في «غضب الأرض» ونادتها بقلب مكلوم: (فلسطين.. يا سيدة المتعبين ويا سيدة الشرفاء ويا سيدة الشهداء ويا وردة من دماء البنين) وتساءلت (فلسطين سيدتي كيف صرت؟ وكيف المساء لديك وكيف المآذن والقبب الخضر.. كيف جنين؟). ولم تنس الغيداء أن تبوح بسر ذلك «القيد» الذي يكبل الحلم والأصابع (هو الوجع الشاعري الذي يثمل العقل يجنح في ملجأ البؤس.. كالمستحيل ليبكي على طفلة قيدها في لجام الأصابع.. مصلوبة بين خيل.. وخيل). وتجليات تلك «السيدة المحمومة» حين (ألمح الآن كوخا تظلله غيمة تتعلق بين السموات تصنع أرجوحة لصغيري أغلق بوابة الصحو.. ما أجمل الحلم تصفعني الآن ذاكرتي المرهقة فأغفو على وجعي مرة ثانية)! ويبقى للوطن مساحاته التي تختتم بها كل المساحات الأخرى، ويصبح «وطني خيمة الشمس» (فيا خيمة الشمس يا أطهر البقع الطيبات ويا أجمل المدن الرائعات أرخي ستائرك الدافئة ونامي جوار الزنابق في روض عطر على غيمة تتأرجح وقت الشفق فليباركك الله يا وطني.. للأبد). وانطلقت الشاعرة فاطمة القرني - دكتوراه في الأدب العربي الحديث في كلية التربية للبنات، تترنم بأشعارها بعد تقديم جميل من مديرة الأمسية قالت فيه عنها: (هي شاعرة أضاءت المسافة بين الجنوب والشمال كملكات الأنباط تتميز بإخلاص نادر لأدوار الشعر ولعيون قوافيه وشجنه نتابعها وعدد من محبي الشعر فنشعر أن للخنساء سلالة لا تنقطع من وفاء النساء). ألقت القرني بعض قصائدها التي سبق أن نشرتها في زاويتها المتميزة في مجلة اليمامة «إذا قلت ما بي»، منها «استدعاء، عندما غنى الجنوب، كيد، سمر» وقصيدة «تعويم» التي افتتحتها بصرخة مهداة إلى المركز الوطني للقياس والتقويم (أفق يا ثور يا خدن الوسادة وصحصح مثلنا جيل الريادة وذاكر واجتهد أفنيت عمري عليك كفيت بي مرّ النكادة)! وحملت سلامها إلى رُبى نجد في «تماهي» (سلاماً نجد ما غامت قلوب وما هامت على ظمأ قلوب وما أحيا الأماسي من وجيب وما استعصى على آس وجيب). ولم تنس القرني «بغداد» بكل جراحاتها ونزفها (الله يا بغداد كم من ليلة وأنا وأنت بثينة وجميل أشدو تجيزين القصائد ينتشي خدر السكون ويثمل القنديل .بغداد عفو كما أمرّ تفجعي فيك المصاب - وإن صبرت - جليل). وقد حظيت الأمسية في ختامها بمداخلات ثرية وجيدة من الحاضرات طالت تجربة الشاعرتين، وبعض ملامح تجربتهما الإبداعية والحياتية أيضاً.