أحداث قصة كفاح المهلهل بن ربيعة في سبيل الأخذ بثأر أخيه كليب، أو في كلمات أخرى اخماد الثورة التي قامت بها بكر على أخيه شبيهة بأحداث قصة أخذ امرئ القيس الكندي بثأر أبيه حجر من قاتليه بنو أسد، أو بمعنى آخر محاولته استعادة ملك كندة بعد ثورة بني أسد وقتل أبيه، والتشابه بين القصتين يجعلنا نتساءل عن مصداقية تفاصيل أحداث إحداهما أو كلاهما. وسبق لي أن كتبت عن امرئ القيس بن حجر بن الحارث الكندي عدداً من المواضيع الإعلامية نشرتها في هذا المكان منذ سنين، وتيقنت ان الشخصية حقيقية ولكن الأحداث ذات الصلة بها لم تصل بشكلها الصحيح وشابها الكثير من التحريف مرة لسبب ومرة لسبب آخر، وهذا ينطبق أيضاً على أخبار خاله المهلهل «الزير سالم» بطل حرب البسوس وشقيق كليب وائل زعيم قبيلتي بكر وتغلب في زمنه. كلا الرجلين عاش في زمن متقارب، وكلاهما عاش في وسط الجزيرة العربية، وكلاهما قاد حروباً ثأرية موحشة ودامية ومدمرة، وكلاهما قضى على الكيان الذي ينتمي إليه في الوقت الذي شتت فيه خصومه. وتشخيصه كتب التاريخ والأخبار المهلهل بأنه رجل مجون وشراب وصيد ونساء، ولم يعرف من ملامح الحياة الجادة شيئاً يذكر، كما تشخصه الكتب بأنه على علاقة بزوجة أخيه أو ان زوجة أخيه «كليب» كانت تميل إليه أو أن أخيه كان يشك بأنه على علاقة بزوجته أو ان هناك من وشي به عند أخيه بأنه على علاقة بزوجته فأمر أخاه بالابتعاد عن مواطن القبيلة. استجاب الأخ لأخيه وابتعد عن مواطن القبيلة واستمر بممارسة حياة المجون حتى أتاه من أخبره ان ابن عمه جساس بن مرة قتل أخيه كليباً، لم يصدق في بداية الأمر وعندما أحس ان الأمر جد استجاب للداعي فعندما جاء وفد بكر ليبحث معه تسوية مقتل أخيه عرض عليه ثلاث مسائل جميعها رفضها وطالب بأخيه حياً. ودخل في دائرة الحزن ثم التصميم على الثأر والانتقام بعد أن ظن القوم انه أقل من أن يقود حرباً ليثأر من قاتلي أخيه. ولكنه استجاب وقاد الجيوش والمعارك الواحدة تلو الأخرى حتى شتت خصمه وأفنى قومه هو. أما امرؤ القيس فهو ابن أخت المهلهل كما تقول الرواية، والده هو الملك الكندي حجر بن الحارث بن عمرو المقصور بن عمرو آكل المرار الكندي وريث عرش كندة وحاكم قبيلة بني أسد في حياة والده. تعرض امرؤ القيس تقريباً إلى أحداث شبيهة بتلك التي تعرض إليها خاله المهلهل، ورويت عنه أحداثاً شبيهة بتلك التي رويت عن خاله بل ربما مال الإنسان إلى ان القصتين لشخص واحد. أو أن الراوي خلط الروايتين . يذكر المؤرخون أن امرؤ القيس كان شاعراً ماجناً يحب اللهو ويعشق الصيد والنساء. والإقامة بعيداً عن مضارب القبيلة والحي ليلهو كيفما طاب له اللهو. ويقال إن أمرؤ القيس ارتكب حماقات بحق والده إلى درجة انه بدأ التغزل بزوجة والده مما أدى بوالده إلى طرده من حيث كان، بل يقال إنه حاول قتله وهو صبي إذ امر أحد رجاله ان يقتله ويأتيه بعينيه برهاناً على قتله إلا أن الرجل لم يفعل لأنه يدرك أن الندم سوف يلحق بوالده وهذا ما حدث فعلا، وهناك من يقول إن والده طرده بسبب نظمه الشعر الذي تتعفف الملوك عن نظمه يومذاك. وعندما مات والده كان بعيداً، واختلف المؤرخون في المكان ولكنهم اتفقوا على ا ن خبر مقتل والده وصل إليه وهو بعيد من المكان الذي فيه قتل. لم يكثرث للخبر للوهلة الأولى وواصل شرابه وقال مقولته المشهورة (اليوم خمر واغدا أمر) وهذا ما حدث فعلا إذ قاد الجيوش لمحاربة بني أسد قاتلي والده فشتت بني أسد وشتت قومه وأجهز على ماتبقى من مملكته أهله. نجد ان هناك تشابه كبيراً بين ما حدث للمهلهل وما حدث لابن أخته امرئ القيس الكندي. فكلهم عاش حياة مجون قبل ان يصتدم بخبر القتل، وكلاهما طرد من قومه بسبب التحرش بقريبة له. فالمهلهل تحرش بزوجة أخيه وامرؤ القيس تحرش بزوجة أبيه، وكلاهما تلقى خبر قتل قريبه بفتور تلاه تصميم ثم تدمير. فالمهلهل استبعد أن يقتل جساس كليباً. وامرؤ القيس لم يقطع لهوه واعرض عن الرجل الذي وقف ليبلغه خبر مقتل والده، ثم التفت إليه بعد فراغه من لهوه، وكلاهما عرض عليه عدة أمور لإنهاء الأمر، وكلاهما رفض إلا أن يعاد الميت إلى الحياة. وهذا المستحيل. وكلاهما أعطى نفسه مهلة حتى ظن الآخرون انه واهن عن الأخذ بثأره فثار ثورته التي أتت على قومه وخصومه في وقت واحد، فحروب المهلهل أخرجت بكراً وتغلب من الجزيرة العربية، وحروب امرئ القيس أخرجت كندة من وسط الجزيرة العربية وأجبرتها على الرحيل إلى الجنوب والاستيطان في أودية من أودية حضرموت، فهذا التطابق الشديد في تفاصيل الأحداث يجبرنا على التفكير في إعادة بحث هذه الأحداث والشبيه بها.