بنظرة متأملة لأحوالنا، وللحظتها الآنية، التى تمثل عيشنا، وعيش أمتنا بكل عثراتها، وصراعتها، واشكال القمع،فيها التى تمارس على شعوبها، فى هذا الوقت القائم على الاحتمالات نستدعى من تراثها شخصية مثل شخصية عمر بن الخطاب، رضوان الله عليه، لنتوقف امامها، ونبحث عن اجابات جديدة لحاضر بائس ... لعل وعسى!! عبر ليالى شهر رمضان عشت زمنا من سيرة عمر، تجسد خلالها اجمل اشكال الفن تعبيرا عن سيرة انسان، وعلى مستويات العمل الفنية والانتاجية والموضوع الذى قدم بأمانة وصدق مع تاريخ رجل يسكن الضمائر، ويحتل فى تاريخ امته الانساني والروحي المكانة القصوى للعدل والحرية. لقد عرفنا من قديم (أن اهمية الفن تكمن فى انه يحمل شوقا الى المثال ). وسعى الفن نحو غايته الأسمى لن تتحقق إلا بتجسيد حياة مثل حياة الفاروق. وفى زمننا الراهن يتمتع التليفزيون بسلطة خاصة، حيت يشكل وعى الناس، ويشارك فى تكوين القيم، باعتباره المقيم فى كل بيت، مكتشفا تكنولوجيا رهيب التأثير، ومن يسيطر عليه ويوجهه يسيطر على الرأى العام للشعوب ، وهو عند الحكومات والقادة وسيلة هامة للحكم والسيطرة. كان التليفزيون هو الوسيط الأكثر شعبية لتقديم سيرة الخليفة الراشد الى الأمة. وكان انتاجه اضافة هامة للفنون الجادة التى تهتم بتقديم التراث الدينى، فى ابهج صوره واكتمالها للناس. وبالرغم من مواقف المؤيدين والمعترضين فلقد جاء المسلسل حقيقة فى شكل فنى رائع، صادقا مع حياة صاحب السيرة الانسانية ، وجاء بعكس القيم الرفيعة التى صاحبت حياة خليفة، كان عادلا ورحيما. لقد نجح المسلسل بتقديمه التراث الدينى الاسلامى ليواكب عصرنا الحاضر ويطرح اسئلته على واقعنا من خلال رؤية فنية رفيعة القيم على مستوى الأدب والتصوير والأداء التمثيلى وبقية عناصر الانتاج منذ الصبا الأول ، حيث كان يرعى عمر ابله، فى شعاب مكة، محدقا فى سماء مفتوحة على انتظار حدث سوف يقع، وحتى طعنة المجوسي الفاجر بخنجر الخيانة المسموم، وانا كمشاهد اعيش بالفعل تلقيا حميما لدراما تصدق مع احداثها، ومع مسارها الابداعى. للصحراء الفضاء، وللرمل صدى فى الروح، ولصوت الرسول المبتعث جلال القراءات، وللقرية المقامة هناك بدوربها، وازقتها، وعمارتها القديمة، وهؤلاء البشر الذين جاءوا من التاريخ يدورون فى تلك الدروب سعيا عن معاشهم ، فى انتظار ماسوف يحدث !! لسيناريو العمل صدقه، لغة وحوارا يسطعان كأبيات الشعر، والدقة هنا ملزمة، وتغادر غموضها، وتفصح عن المعنى والدلالة ، والاحترام والتقدير لكاتب النص الأديب وليد يوسف ،الدء وب ،الذى يستفتي فى عمله المراجع التاريخية، ويحشد احداثه فى سياق درامى صاعد، الفنا استخدامه فى اعماله الدرامية التاريخية (الزير سالم، الخنساء .شجرة الدر، صلاح الدين، ملوك الطوائف )، وكلها متوجة بمسلسل عمر. وكما عاهدنا فى إخراج اعماله الدرامية ،المخرج حاتم على، في الحفاظ على الايقاع، وتحريك المجاميع، وضبط الكادر، وثرائه، إلا ان موهبته كمخرج كانت لافتة وعلى قدر من اجادة جعلت من المسلسل سياقا منضبطا طوال زمن عرضه، بل جعل منه تميمة حاشدة فى تراث الدرما العربية. كانت الموسيقى المصاحبة، بشدوها، وتعبيرها، وهى تخرج من الاماكن، والضواحى، معبرة عن الأسى لحظة تعذيب المسلمين، والشجاعة زمن الفتوح، ويقين عمر فى اللحظات التى شهدت الف حكاية من حياة الرجل، ولحظة اتخاذه للمواقف الفاصلة فى زمن خلافته العادلة، لقد قدم المسلسل الممثل سامر اسماعيل ليجسد شخصية عمر بن الخطاب، وكان اختياره فى غاية التوفيق، بطوله المهيب، الذى حمل على كتفه عبء تشخيص شخصية غنية بتراثها الانسانى، ومهابتها الدينية، فكان لصوته عمق الصدى، ولزعامته لجماعته مهابة وللشيخ، فى آخر عمره يقبض على عقفة عصاه، ويضرب الشعاب، باحثا عن طفل جائع، اوعجوز مكلوم، او مريض بجوار جدار، والصوت يهدر عبر الزمن (اضرب ابن الأكرمين) ثم تدوي مقولته التى حملها تاريخ الانسان (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم احرارا ) تحية لمن ادت دور هند بنت عتبه، ولعبدالعزيز مخيون فى دور ابوطالب ، ولغسان مسعود فى دور ابوبكر الصديق، ولبقية الفريق من المبدعين . ودولة mpc اعود فأكرر ، لقد اخذ عمر بيدنا طوال شهر رمضان ، فى انتاج ضخم انتجته قطر ، اخذ بيدنا نحن الغافلين عبر سيرته الذاتية لنكتشف معنى جديدا لقيم العدل والحرية والايمان والزهد والإباء والحلال بين الحرام بين فيما يطل علينا عمر بن الخطاب من زمنه بهياً ، ومنارة للضالين على مر العصور . فعليه سلام الله.