الصداع الذي يصيب المريض بسبب كثرة استخدامه للوصفات الطبية ولا يتقيد بطبيب أو وصفة معينة، هذا الصداع يجعله يستمع إلى نصائح الآخرين في الذهاب إلى الطب البديل أو المعالجين الشعبيين أو إلى الراقين والقراء. التقت «الرياض» بعدد من الشيوخ الذين تحدثوا عن الحكم الشرعي في هذا النوع من العلاج حيث تحدث الشيخ هاني عبدالرحيم الرفاعي مدير الخدمات الشرعية بالمستشفى التخصصي بجدة الذي قال: قبل الشروع في النظرة الشرعية والرؤية الدينية لقضية الطب البديل أو الطب المكمل أريد أن أوضح عدة أمور هامة وقدرات الإنسان. 1) امكانيات وقدرات الإنسان: الإنسان كما خلقه الله جسد ضعيف محدود القدرات والامكانيات ووهبه مع هذا الجسد الضعيف نعمة عظيمة صعدت بهذا الضعف إلى القوة الهائلة هذه النعمة هي العقل والتفكير الذي به أصبح الإنسان أقوى المخلوقات تحملاً وأسرعها تقدماً وأبعدها انطلاقاً (فتبارك الله أحسن الخالقين) وهذا الإنسان بهذا العقل العظيم هداه الله ووفقه إلى أسرار خلقه وعلوم كونه ومنها علم الطب الطبابة فبدأ الإنسان القديم جاهداً بكل الوسائل الضعيفة والبدائل التي يملكها آنذاك للوصول إلى وصفات طبية علاجية تعالج أمراضه في ذلك الوقت هذه الأمراض التي كانت توافق عصره والظروف المحيطة به وقتها والتي كانت نتاجاً للأغذية التي كان يتناولها فمن المعلوم أن للطعام والغذاء والشراب تأثير في أمراض البدن لذلك كانت أكثر الأدوية قديماً تركب مع جنس الأغذية، ومع تطور هذا الإنسان وتقدم الوسائل الخدمية له واختلاف بيئته واختلاف طعامه وغذائه فشرع الإنسان المعاصر ممثلاً في (الطبيب) في البحث والدراسة والتطوير وإجراء التجارب العلمية المدروسة ووصل إلى ما وصل اكتشافه حالياً من العقاقير الطبية المختلفة الأنواع والأصناف. والذي أريد أن أصل إليه أن الإنسان في العصر القديم الذي أوجد طب الأعشاب الموروث لنا عبر الأجيال هو نفسه الإنسان الطبيب الحديث الذي صنع العقاقير الطبية الحديثة غير أنهم تفاوتوا في البحث والعلم والتقنية والدراسة والتجارب التطبيقية. والنقطة الأخرى أنه مما لا شك فيه أن هناك وصفات علاجية وطبيعية جاءت النصوص الشرعية بإثباتها وصحة علاجها وهذه الوصفات مسلم بها تماماً ولا اعتراض عليها وفي استخدامها في الأمراض التي وصفها الشارع الحكيم من أجلها ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر (1)العسل: يقول تعالى {وأوحى ربك إلى النحل....} (2)الحبة السوداء: والتي يقول عنها المصطفى صلى الله عليه وسلم (الحبة السوداء دواء من كل داء إلا السام). وقال صلى الله عليه وسلم (الشفاء في ثلاث :شربة عسل، وشرطة محجم، وكية نار، وأنا أنهى أمتي عن الكي) رواه البخاري. وقال صلى الله عليه وسلم (كلوا زيت الزيتون، وأدهنوا به فإنه من شجرة مباركة) فهذه بعض الوصفات العلاجية جاء بها النص الكريم مدعماً لا اعتراض عليها. وأخيراً قضية أو نقطة ثالثة أحب توضيحها قبل الشروع في النظرة الشرعية للطب البديل وهي: وجوب حفظ النفس يقول تعالى (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة). من المعلوم أن من أعظم الأمانات التي استودعها الله الإنسان هي هذه النفس وهذه الروح ومن ثم الأعضاء التابعة والتي هي تحت امرة هذه النفس العظيمة، فالإنسان لا سيما المسلم مطالب بالحفاظ عليها عن كل ما يتلفها وحرام عليه شرعاً اتلافها أو ازهاقها ومن فعل ذلك فقد رتب الشارع الحكيم أشد العقوبات على ذلك سواء كانت من قبل صاحبها أو أحد غيره، وانطلاقاً من هذه النقطة نقول: إنه ينبغي لكل إنسان الحذر من تناول واستخدام ما يسبب ضرراً أو تلفاً في نفسه أو عضو من أعضاء بدنه، كمن يستخدم بعض الخلطات العشبية العشوائية أو ما يشابهها بشكل غير مدروس أو معروف فيتسبب في ازهاق نفسه أو تلف جزء من بدنه فيكون ذلك آثماً معرضاً للعقوبة من الله الجليل وأيضاً يأثم من أعدها ووصفها كمن يستخدم مادة الكيروسين (القاز السائل) ويشربه لعلاج السرطان أو الأورام وهذا حدث من أحد المرضى فيزهق المسكين روحه استجابة لبعض ضعاف النفوس الذين يقتاتون على حساب أرواح الناس وأبدانهم. ومن هذا المنطلق أقول: إن الأصل في التداوي من الناحية الشرعية الإباحة ولكن بشروط وضوابط أولها: أن لا يكون الدواء أو العلاج مادة محرمة تناولها الشرع كالخمر مثلاً لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي الدرداء رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله أنزل الداء والدواء، وجعل لكل داء دواء، فتداووا ولا تداووا بالمحرم) فلا يجوز التداوي بالمواد المحرمة شرعاً بناء على هذا النص النبوي الكريم. ثانياً: العلم بالطب وعلم الطبابة، فلا يجوز ممن ليست له علم بالطب والطبابة أن يصنّع الأدوية والوصفات العلاجية. ثالثاً: أن لا يكون في استخدام العلاج تلف النفس أو عضو من أعضائها. والخلطات العشبية التي جمعت من واقع حسه وفكره كما يوحي بعضهم ويكون نتيجتها ازهاق روح معصومة بريئة وأنا هنا لست ضد طب الأعشاب أو أهله لكن ضد الأيادي السوداء والأنفس الضعيفة التي ليس لها علم في هذا المجال ولا خبرة ولا موروث فتقوم بضرر الناس وافساد صحتهم. وأتمنى وأوجه نداء لمن يداوون بالأعشاب أن يراجعوا بوصفاتهم وعلاجهم الجهات المسؤولة في وزارة الصحة حتى يتم اختبارها ليتم معرفة مدى نفعها وضررها على المريض. ومن المشاركين في هذا الموضوع الشيخ فهد ناصر الشريف إمام وخطيب ومعالج بالرقية الشرعية بالطائف وقال: انتشر في زماننا وخاصة في الآونة الأخيرة ظاهرة العلاج بالقرآن الكريم وهي ظاهرة جيدة حسنة ولكن ما يثير القلق وللأسف أن يتولى هذا الأمر بعض الجهلة من ليس لهم دراية بالعلم الشرعي، فأصبحت تجارة رابحة وأكلاً لأموال الناس بالباطل، ومن جهة أخرى اهتم كثير من الناس أو اتجهوا إلى السحرة والمشعوذين وتركوا الأدوية الشرعية فكان هذا الباعث لكتابة هذه الكلمات المتواضعة لما أرى في حاجة الناس إلى تصحيح العقائد (وهم أهل التوحيد) من القلق بالبدع والطلاسم والخرافات الوافدة والمنتشرة ولابد من تصحيح هذه الأمور ومنها: 1) تصحيح الانحرافات العفوية لدى كثير من المسلمين اليوم فيما يتعلق بقضايا الرقية الشرعية. 2) الحاجة الشديدة في الآونة الأخيرة لتنظيم الرقية الشرعية بعد اتساع مجالها وتشعبه. 3) تصحيح الاتجاهات المنحرفة لدى كثير من المعالجين في الوسائل المتبعة، خاصة النظرة المادية البحتة التي أصبحت الأساس الرئيس في مزاولة الرقية وكأنها مهنة من المهن التي يقتات بها كثير من هؤلاء ويأكلون أموال الناس سحقاً وباطلاً لما تدره عليهم من أموال طائلة. 4) تفشي الأمراض التي تصيب النفس البشرية من صرع وسحر وحسد وعين نتيجة لعدة عوامل: أهمها الانحراف عن منهج الكتاب والسنة. 5) توجه كثير من الناس لعلاج تلك الأمراض بطرق غير شرعية وأساليب مبتدعة بعيدة كل البعد عن تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف. 6) التوجه العام لدى السحرة والمشعوذين للعلاج والعرافين والكهنة والمستعينين بالجن ومدعي الرقية وخطورة ذلك من الناحية الشرعية على الفرد والأسرة والمجتمع المسلم. 7) إيضاح الأساليب والوسائل الصحيحة للرقية الشرعية الثابتة في الكتاب والسنة والأثر. 8) الخلط الحاصل لدى الكثيرين ممن سلك طريق الرقية الشرعية وإيضاح المنهج القويم لها بما يثبت في الكتاب والسنة والأثر. 9) تقويم الكثير من المفاهيم الخاطئة والدارجة بين عوام الناس وتحديد الوجهة الشرعية لتلك المفاهيم. 10) ندرة الكتابات المتعلقة بالرقية الشرعية حيث إن هذا الموضوع لم يستوف حقه في الدراسة والبحث قديماً وحديثاً ولا شك أن الرقية من الأساليب التي درج على اللجوء إليها الإنسان قديماً وحديثاً، ويصون النفس ويحمي من الشعوذة والدجل والاحتيال.