الإسراع في إعداد الكوادر الوطنية المؤهلة تأهيلاً عالياً ومن قبل جميع القطاعات التي تحتاج إلى استخدام تقنيات العصر بطرق مباشرة أو غير مباشرة هو الفيصل في عملية توطين التقنية وتطويرها إن خطط التنمية التي تبنتها حكومتنا الرشيدة خلال الثلاثين عاماً الماضية قد أوجدت أرضية جيدة بل ممتازة في ميادين متعددة مثل التعليم والصحة والمواصلات والاتصالات وبناء الإنسان بصورة عامة كما ركزت تلك الخطط على زيادة الناتج الوطني وتعدد مصادر الدخل وتشجيع الصناعة كأحد الخيارات الأكثر جاذبية كما أن استخدام تقنية العصر في جميع المجالات في الصحة والتعليم والنظام المصرفي والزراعة وفي مجال الأمن والدفاع قد أصبح من أهم معالم التنمية في المملكة العربية السعودية وهذا كله شيء ممتاز وجيد إلا أن تشغيل وصيانة تلك الأجهزة والمعدات المتقدمة لا يزال يحتاج إلى بعض العمالة الوطنية المتخصصة وأبعد من ذلك تحتاج إلى وجود أيد وطنية عالية التأهيل تستطيع أن تستوعب تلك التقنيات وتعمل على تطويرها بأفكار ذاتية بحيث يتم إيجاد الحلول للمشاكل المتعلّقة بهذه التقنية أو تلك من خلال جهود المتخصصين السعوديين وهذا يوجد الأرضية المناسبة لبدء توطين تلك التقنيات من خلال الإبداع والتصنيع والابتكار مما يشكل رافداً حقيقياً من روافد البناء الاقتصادي المبرمج والمؤمن من احتكار التقنية من قبل مصنعيها. لكن وجود الكوادر الوطنية وإعدادها لا بد وأن يتم من خلال خطط مبرمجة ومحددة بزمن معين توصلنا إلى الاكتفاء الذاتي أو الزيادة عليه وقبل البدء في إعداد تلك الكوادر لا بد وأن نحدد أنواع الكوادر التي نحتاج إليها في مجال التقنية أو حتى في المجالات الأخرى التي نحتاج إليها والتي لا يزال غير السعودي يشغلها بصورة رئيسية. وعلى الرغم من وجود نسبة جيدة من السعوديين تعمل في هذا المجال أو ذاك إلا أن العمالة الوطنية المتخصصة في مجالات كثيرة لا تزال دون الحد الأدنى المطلوب للبدء والاستمرار في خطط توطين التقنية دون الاعتماد على العمالة الأجنبية بصورة كلية، خصوصاً أن هذه العمالة تتراوح بين عمالة متخصصة وأخرى غير متخصصة تتراوح بين عمالة البناء والتشييد ذات التخصصات المختلفة إلى الأيدي الفنية ذات الكفاءات العالية إلى أولئك المتخصصين في مجال الطب والهندسة والعلوم والتكنولوجيا المتقدمة. وعلى الرغم من وجود اثنتي عشرة جامعة قائمة وثلاث جامعات مستحدثة وجميع هذه الجامعات تضم أقساما وتخصصات عديدة بالإضافة إلى كليات عديدة للتقنية إلا أن الحلقة لا تزال مفقودة بين أسلوب إعداد الخريجين ومجال العمل الذي يستوعبهم ويحولهم إلى قدرات وطنية فعّالة لذلك لا بد من عمل دراسة لسوق العمل تشمل: 1- عمل إحصائية لجميع المصانع الوطنية ونوع العمالة الفنية المتخصصة التي تحتاج إليها وتصنيفها من حيث الكم والكيف. 2- عمل إحصائية لجميع التقنيات المستخدمة في المصانع الوطنية وبدء الإعداد للحصول على مناهجها وقواعدها الأساسية والتطبيقية. 3- عمل إحصائية ميدانية لجميع الوظائف الفنية والتقنية والتخصصية في جميع المستشفيات الحكومية والخاصة على مستوى المملكة تمهيداً لمعرفة الحاجة الفعلية والمستقبلية لتلك القطاعات. 4- عمل مسح ميداني للوظائف الفنية والتخصصية التي تحتاجها قطاعات التعليم في جميع مراحله وذلك لبلورة مفهوم واضح يستفاد منه عند إعداد الخريج أو التدرب الذي سوف ينتسب إلى ذلك القطاع. 5- عمل إحصائية من واقع مسح ميداني لجميع ورش الصيانة سواء العامة أو الفنية المتخصصة، في جميع مدن المملكة وذلك لمعرفة حاجة السوق المحلي للأيدي العاملة السعودية المتخصصة في تلك المجالات. 6- عمل إحصائية لحاجة السوق الفعلية والمستقبلية من الأطباء والمهندسين والعلوم التطبيقية الأخرى. وبعد عمل الاحصائيات للحاجة الفعلية والمستقبلية للسوق المحلية من العمالة الفنية العادية والمتخصصة يبدأ العمل في إعداد الخطط والبرامج الخاصة بإعداد تلك الكوادر طبقاً لمدد زمنية محددة من قبل كل قطاع من القطاعات المعنية وإعداد الكوادر الوطنية يمكن أن يتم من خلال: ٭ على الجامعات أن تبدأ بإعادة صياغة خططها الدراسية بما يتوافق وسوق العمل بحيث تصبح المقررات التي يأخذها الطالب أقرب إلى النهج التطبيقي الذي يخدم الطالب في مستقبله العملي من النهج النظري البحت الذي يجعل الفجوة بين مهارة المتخرج ونوع العمل الذي يطلبه كبيرة بالإضافة إلى إقامة مختبرات تخصصية تخدم غرض البحث والتدريب. ٭ التوسع في مجال التعليم المهني وزيادة عدد المقررات التطبيقية التي تدرس للطلاب في كل المعاهد والكليات على حساب المقررات المساعدة الأخرى التي في الغالب تكون تكرارا لما أخذه الطالب في المرحلة الثانوية أو شبيه له بالإضافة إلى التوسع في مجال التعليم الفني بحيث تصل كليات التقنية إلى كل مدينة من مدن المملكة وأن تشتمل على جميع التخصصات التي تغطي سوق العمل المحلي في القطاعين العام والخاص وأن تستوعب أعدادا أكبر من الطلبة وأن تدرس أحدث أنواع التقنية المتوفرة في السوق العالمية. ٭ الاتجاه إلى إنشاء مراكز للتدريب على أعلى المستويات العلمية في جميع التخصصات الحيوية المطلوبة وأن يراعى أن تكون تكلفة التدريب فيها منخفضة نسبياً حتى يتمكن الجميع من الالتحاق بها لاكتساب مزيد من المهارات. ٭ تقليص عدد المقررات في المرحلة الثانوية في التعليم العام وذلك بدمج بعض المقررات المتشابهة في بعضها البعض مثل دمج الفيزياء مع الرياضيات والكيمياء مع الأحياء وكذلك الفقه مع الحديث والتوحيد مع القرآن والتفسير والقواعد مع النصوص والأدب وغير ذلك مما يتيح الفرصة إلى إدخال مقررات أخرى تخدم العلوم التطبيقية فالإسلام يكون قويا بقوة أهله والحديث الشريف يقول: «المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف وفي كل خير» وأهله يجب عليهم توطين تقنية العصر لكي يخدموا الإسلام بها. ٭ فتح باب الابتعاث للتدريب الفني على مصراعيه في أعلى بيوت الخبرة العالمية للمتميزين ممن أثبتوا الجدية في التحصيل والرغبة في الحصول على مزيد من الخبرة حتى يعودوا وكلهم حيوية ورغبة في تعليم وتطبيق ما تعلموه من تقنية. ٭ أن تركز كليات المجتمع التي بدىء العمل بها على التخصصات التطبيقية التي يحتاجها سوق العمل وأن يكون للمقررات التخصصية الحضور على حساب المقررات المساندة. ٭ جرت العادة أنه عند إبرام أي عقد مع أي شركة أو مؤسسة عالمية متخصصة لإقامة مشروع معين أو شراء أجهزة معينة يكون من ضمن بنود ذلك العقد تدريب ما يكفي من السعوديين لإدارة ذلك المشروع وتشغيل تلك الأجهزة ولكن الملاحظ في بعض الأحيان أن تلك البنود الخاصة بالتدريب لا يتم الالتزام بها كلياً أو جزئياً لذلك يجب أن تكون نصوص العقود ملزمة وأن يوجد جهاز رقابي يتابع مدى الالتزام بتنفيذ بنود الاتفاقية ويحاسب على التقصير وأن يحتجز جزء من مبلغ العقد حتى يثبت تنفيذ كامل بنود العقد. ٭ يبلغ عدد سكان المملكة العربية السعودية حوالي ثلاثة وعشرين مليون نسمة منهم سبعة عشر مليونا ونصف المليون من السعوديين وستة ملايين من غير السعوديين وحيث إن غير السعوديين هم من العمالة المتخصصة أو العادية فلا بد من وضع خطط زمنية تفضي إلى إعداد الكوادر الوطنية المناسبة التي تحل محل غير السعوديين لما في ذلك من محافظة على الثروة الوطنية وإيجاد فرص العمل لطالبي العمل من السعوديين وما أكثرهم. والإبقاء على غير السعوديين المتميزين ودعمهم بالحوافز وسعودتهم إن أمكن وهذا ما تفعله الدول المتقدمة مثل أمريكا وبريطانيا وغيرها بالمتميزين من أبناء الشعوب الأخرى، حيث تقدم لهم أعلى أنواع التشجيع والمميزات. ٭ أغلب العمالة المستوردة يتم تدريبهم على رأس العمل هنا فهم يأتون خاما دون خبرة تذكر وبعد مرور عدد من السنين يصبحون عمالة مدربة على قدر كبير من الخبرة سواء في المجالات المتخصصة أو غيرها، فلماذا لا يتم مثل هذا النهج مع طالب العمل السعودي ويتم الصبر عليه حتى يكتسب الخبرة من خلال الممارسة والعمل، فهل نحن ورشة تدريب للعمالة الأجنبية؟ وإذا كانت الضرورة قد فرضت ذلك خلال فترة الطفرة فإن ذلك يجب أن لا يستمر مع العلم أن عملية السعودة تقوم في هذه الأيام على قدم وساق وتعمل حكومتنا الرشيدة كل ما في وسعها لإنجاح ذلك إلا أن القطاع الخاص عليه مسؤولية كبيرة تجاه عملية الإحلال والتدريب والتضحية بنسبة ولو قليلة من الأرباح في سبيل تدريب السعودي وتوظيفه خصوصاً في المجالات المتخصصة التي تخدم أغراض توطين التقنية. ٭ حيث إن كثيرا من الوظائف الفنية في مجالي التشغيل والصيانة تشغل اليوم بالمتعاقدين فإنه يجب أن يستفاد منهم قبل إحلال سعودي محلهم وذلك بأن يقوم أولئك المتعاقدون بتدريب السعودي البديل على طبيعة العمل وأسراره لمدة زمنية لا تقل عن سنة وبعد التأكد من أن السعودي قد استوعب ما درب عليه حينئذ يمكن الاستغناء عن خدمات المتعاقد وهذا نوع مما يسمى التدريب على رأس العمل. ٭ لضمان حصول طالب العمل على تدريب مناسب يحبذ أن يشترط لشغل أي وظيفة يتوفر مجال للتدريب على طبيعتها حصول ذلك المتقدم على شهادة تدريب في مجال العمل من هذا المركز أو تلك الجامعة أو المؤسسة على أن تكون تكاليف التدريب ميسرة وسهلة. وحيث إن توطين التقنية ليس ترجمة للكتب أو تأليفها فقط بل عمل جماعي يبدأ بإيجاد الأرضية المناسبة لها من خلال الدراسة المتخصصة والتدريب ثم التطبيق في بيئة العمل وعليه فإنني أحب أن أشير إلى أن توطين التقنية بدون عمالة وطنية مدربة تستوعب تقنيات العصر لا يمكن أن ينجح لأن التقنية التي تعتمد على أيد أجنبية معرضة للاندثار بسبب تقادم التقنية المستوردة أو إلغاء عقد الأيدي العاملة الأجنبية أو عودتها إلى وطنها أما العمالة الوطنية فهي كالسحابة التي فائدتها مجنية في أي مكان أمطرت داخل حدود الوطن. ٭ لا شك أن جامعاتنا القائمة لها دور رئيسي في عملية إعداد الخريجين ولكنها لازالت تقوم بعملية التدريس وتقديم البرامج الأكاديمية بصورة روتينية لذلك فإن الأمر يتطلب أن يتم إعادة هيكلة تلك الجامعات مع حساب الأولويات وأن يتم استحداث جامعات تكنولوجية تطبيقية تطبق آخر ما توصل إليه العصر من علوم وأساليب كمية وكيفية وأن نعمل على تخليص تلك المؤسسات العملية من النهج البيروقراطي المزمن الذين يفت في عضدها ويمنع مواكبته لروح العصر وتقنياته. لذلك فإن الإسراع في إعداد الكوادر الوطنية المؤهلة تأهيلاً عالياً ومن قبل جميع القطاعات التي تحتاج إلى استخدام تقنيات العصر بطرق مباشرة أو غير مباشرة هو الفيصل في عملية توطين التقنية وتطويرها.