يُروى - والعهدة ليست على أحد - أن أحد أصحاب المصانع قام على سبيل الاحتجاج على بعض أنظمة وزارة العمل بتفكيك مصنعه ونقله إلى إحدى الدول المجاورة.. فيما علق لوحة على مقر المصنع الفارغ كتب عليها: «افتتح هذا المصنع حينما كان الدكتور غازي القصيبي وزيراً للصناعة، وأغلق بعد أن أصبح الدكتور غازي وزيراً للعمل!!». قد لا تكون هذه القصة حقيقية بقدر ماهي نوع من الاحتجاج بالدعابة أو توظيف النكتة كأسلوب ضغط، وهي تذكرنا بالرواية الأكثر شهرة التي تداولها الناس عن معالي الوزير الدكتور عبدالعزيز الخويطر حينما كان وزيرا للتعليم واسندت اليه حقيبة المالية بالتكليف لغياب وزيرها في مهمة خارج الوطن، وأنتم لا شك تعرفون ما حدث!! وهي القصة التي لم ينفها الدكتور الخويطر في أحاديثه الصحفية.. رغم انه وجد لها بعض التخريجات.. أريد أن أقول إن حكاية صاحب المصنع، سواء كانت دعابة أو غير دعابة، وموقف الوزير الخويطر الذي يطلب المال على كرسي وزارة المعارف ويتذرع بنقص الاعتمادات «هو نفسه» على مقعد وزير المال.. تشي بشيء ما.. لا يمكن أن يكون ضربا من التجسد يصيب الانسان حيثما حل.. ليأخذ القرار النقيض تماما لما كان يطلبه حينما كان في الضفة الأخرى.. بقدرما يعني وجود أزمة ادارة.. تجعل من غازي القصيبي «وزير الصناعة» غير غازي «وزير العمل» أو الدكتور الخويطر المسؤول عن «التعليم» غير الخويطر الذي يحمل مفاتيح خزائن المال.. المسألة تتصل في تقديري بحلقة مفقودة بين مفردات وعناصر العمل الحكومي.. بحيث يجد صاحب المصنع «مثلا» ان وزير الصناعة الذي دفعه لبناء مصنعه بسياساته التحفيزية.. غير وزير العمل «رغم أنه ذاته كشخص بشحمه ولحمه» والذي اضطرته سياساته العمالية لإغلاق مصنعه، وفي المقابل أنا على يقين من أن الدكتور غازي أيضا على سبيل المثال لم يختر هذا الدور الذي نقله من دور الوزير الذي يمنح من خلال وزارته كل التسهيلات لرجال الأعمال من أجل أن يبنوا مصانعهم في داخل الوطن، إلى دور الوزير الآخر الذي يهتم بايجاد فرص العمل لأبناء الوطن وكبح جماح البطالة وملحقاتها ونتائجها.. بصرف النظر عن شغل وزير الصناعة.. في حين أن المنطق يفترض أنه ليس بالضرورة ان يقتتل الوزيران مع بعضهما البعض.. فليس بالضرورة أن يموت الذئب أو تفنى الغنم.. هنالك في تقديري حلول سلمية لهذه المعضلة.. تبدأ وتنتهي عندما تشعر كل وزارة أنها معنية تماما بعمل الوزارة الأُخرى، وان كل هذه الدوائر تعمل من أجل منجز واحد يجسد في مجمله مفردة واحدة هي «الوطن»! وحتى على افتراض انها نكتة.. لنعالج الأمر هكذا.. فإن صاحب المصنع الذي وفر له د. غازي القصيبي كل ما يحتاجه من التطمينات ليضع ماله رغم كل ما عرف عن المال من الجبن في سلة افتتاح مصنعه في الداخل.. لا يجوز أن يكون هو نفسه السبب في تفكيكه ونقله إلى بلد آخر.. لمجرد أن الوزير في الوزارة الثانية ليس معنياً إلا بتوفير فرص الشغل للناس.. حتى لو أسفر هذا الهدف عن مثل هذه النتيجة.. التي اقتضت نسف شغله الأول من أساسه.. المسألة ليست هكذا وإن بدت كذلك.. لابد وأن ثمة معضلة ما، لا علاقة لها أبداً باستبدال الحقائب الوزارية.. القضية تتصل بعدم وجود ناظم إداري قادر على أن يختصر المسافة ما بين أكثر الأطراف بعداً، وأبعدها التقاء.. فضلاً عن تلك الجهات التي يفترض أنها تعمل تحت غطاء واحد كالصناعة والعمل أو التعليم والمالية ووو... الخ! أعتقد أنه لا يجوز أن نتفكه بتلك الكوميديا التي تبثها حكاية صاحب المصنع.. أو نسرف في مناقشة بياض الدكتور الخويطر في مسألة تصديه كوزير للمال لطلب وزارته الاساسية.. قدر ما يجب أن نعود لقراءة واقع الأداء الإداري في جهازنا الرسمي.. لنعيد انتظامه في نفس خيط المسبحة الذي يجب أن ينتظمها.. إن أردنا لأنفسنا ولمستقبل بلادنا منظومة عمل إدارية قادرة على ان تعيد صياغة الجهد الوطني من خلال كافة الأجهزة والوزارات والمؤسسات الى نسق لا يُلغى فيه طرف آخر، وحتى لا تبدو صورة المسؤول وكأنما تغيرت بتغير الموقع! [email protected]