أحس أن وجود هذه الكلمة لطخة عار في ذهني. لا اتذكر متى عرفتها. قرأتها على لوحة ما في الطائف. في إحدى سفراتي أيام الطفولة. كلمة قبيحة على أي حال. لا أحد في الدنيا يقبل أن يرمى بصفة العاجز أو أن يصنف من هذه الفئة وأن يودع معها. اكتشفت بعد فترة أن دار العجزة تعني دار المسنين. الرجال والنساء المنتهية صلاحيتهم ولم يجدوا من أبنائهم او أقاربهم من يعتني بهم. تضطر الجهات الرسمية أن تؤمن لهم مأوى وتطعمهم الجمعيات الخيرية ويتصدق عليهم من يريد أن يتصدق. من يعش في هذه الدور خلاصه الوحيد هو الموت. يتطلع للوفاة كما يتطلع السجين إلى لحظة الإفراج. علي أن أسارع إلى القول واعلن أني لا أعرف أي شيء عن دور المسنين في المملكة. لا أعرف هل يوجد أصلا دور من هذا النوع. لم أقرأ يوما أي خبر أو حادثة أو تصريح او حتى مقالا في جريدة يتصل بهذه الخدمة. هذا الغياب يقلقني؟ نحن نختلف عن الغرب. هذا ما ترعرعت على سماعه. هناك في المجتمعات الغربية يلقون بآبائهم وأمهاتهم في دور العجزة. يتخلون عنهم عند الكبر. لا يريدون أن يقدموا لهم أي عون. ولا حتى يزورنهم. ربما يبعثون لهم كروت معايدة في المناسبات السنوية. من طعن في السن في تلك البلاد انتهى من الحياة. في احسن الأحوال يلقي به ابناؤه في مثل هذه الدور. أما نحن (ولله الحمد) لا نحتاج مثل هذه المساكن والإيواءات. قلوبنا قبل بيوتنا مفتوحة لكبارنا. نؤكلهم ونشربهم ونوضيهم. لا تفارقهم اعيينا، وعندما يموتون نذرف من اجلهم دموعا غزيرة. يكاد يكون هذا المفهوم أصيلا لا يقبل المناقشة أو التفاهم. لكن لا أعرف أين يقف؟ تكريسه والإلحاح عليه في مصلحة من؟ في مصلحة كبار السن في بلادنا أم في مصلحة وزارة الشؤون الاجتماعية التي أعفيت من وظيفة من أهم وظائفها الإنسانية أم في مصلحة دعاة الأيدلوجيا المعادية للآخر. أحب أن أؤكد بما لا يقبل الشك أن المسنين في الغرب يحظون بأعظم وأرقى أنواع العناية. كل بلد غربي يتوفر على قوانين واضحة وصارمة تحمي المسنين وتقدم لهم كل أشكال العناية التي تحفظ لهم كرامتهم وإنسانيتهم وحياة سعيدة تليق بالدور الذي اسهموا به في الحياة. من السخف والطفولة أن نستمر في الإيمان بأن الإنسان الغربي يهمل والديه او يلقي بهما في دار العجزة ويفر. الإنسان الغربي إنسان ايضا. قلبه مليء بالعاطفة كقلوبنا. عاطفة الأبوة والبنوة ليست حكرا على أهل دين أو ملة أو لون. لا تحتاج هذه العاطفة إلى تعاليم أو نصائح. جزء من فطرة الإنسان التي فطره الله عليها. الفرق بين حياة المسنين في الغرب وبين حياة المسنين في بلادنا هي القوانين والحقوق والواقعية. ما هي حقوق المسنين في بلادنا؟ لا شيء. ما هي القوانين والأنظمة الصحية (مثلا) التي تميزهم وتساعدهم على الاستمرار في الحياة دون إذلال. لا شيء. ما هي الأولويات التي يتميزون بها في المراجعات والسفر والانتظار وغيرها. لا شيء. اما الادعاء بأننا نعتني بكبارنا في بيوتنا فمسألة فردية. كل حالة تقاس على حده. البيوت أسرار ولكن سر معاملة كبار السن في بيوتنا يجب أن تطلع عليه السلطات وتنظمه القوانين. لا يترك للأيدلوجيا والبربوغندا ومديح الذات الزائف.