هذا المقال لم يُكتب بالحبر ولا بالكيبورد، وإنما بزيوت التشحيم، لذلك على من يخشى أن تتلوث يديه أو ملابسه أو تتأذى ذائقته أو مشاعره بتلك الزيوت .. أن يحجم عن قراءته. لأنه لا يُعنى إلا بالانتصار لأولئك الذين تتشابه ألوان سواعدهم وجباههم بؤساً مع لون تلك الزيوت، وهم من جرب الكي إذ يقول نزار رحمه الله : من جرب الكي لا ينسى مواجعه.. ومن رأى السم لا يشقى كمن شربا ففي ظل غض الطرف من قبل وزارة التجارة عما تفعله وكالات السيارات بالناس، كعدم توفير كافة قطع الغيار اللازمة لمبيعاتها بشكل كاف ضمن خططها التسويقية، لتسريع نسبة الإهلاك وفتح الباب أمام تسويق الموديلات الجديدة، نشأ عن هذا الاحتيال نمطان من التجارة، تجارة قطع الغيار المقلدة وسريعة العطب، وتجارة ( التشليح )، ولأن زاويتي هذه لا يتسع بطنها لحمل هذا التوأم البغيض دفعة واحدة، لذلك سأتوقف فقط عند تجارة ( التشليح )، وهي تجارة رائجة وقائمة بذاتها، تستغل غياب الوزارة عن إلزام الوكلاء بواجباتهم القانونية والأخلاقية، وعدم قدرة الناس على ملاحقة أسعار السيارات الجديدة التي باتت تأخذ خطاً تصاعدياً لا أحد يعرف أين ومتى سيقف، مما يدفعهم للجوء إلى هذا السوق الفريد الذي غالباً ما يختفي في مواقع معتمة من المدن، ويمارس تجارة أتحدى أن تكون الوزارة تعرف عنها أي شيء، أو أن يكون لديها أي تنظيم يرعى شؤونها، رغم أنها تشتغل بالمليارات . هذا السوق لا يرتاده القادرون والواصلون عادة، إذ ان زبائنه هم المواطنون العاديون والفقراء الذين يضطرون لمواجهة هذا الجشع بترميم سياراتهم بالقطع المقلدة، أو بما صلح من قطع السيارات المستهلكة والمصدومة التي يشتريها تجار ( التشليح ) بتراب الفلوس، ويقطعون أوصالها ليبيعوها كقطع غيار بما يفوق سعر السيارة الجديدة، دون أن يقول لهم أحد أف أو يقرّعهم بفقرة من نظام تعطيهم حقهم، لكن دون أن تجعلهم يتمادون في ( تشليحهم ) من السيارات التالفة إلى جيوب زبائنهم ممن التجأ إليهم هرباً من نار الوكالات ليواجهوه بنار الغلاء الفاحش، وأحيانا كثيرة تحت شعار القطع المباعة لا ترد ولا تستبدل ! . والغريب أن هوامير هذا السوق أو بعضهم على الأقل أصبحوا خبراء بما هو متوفر في مستودعات الوكالات من القطع بحيث يبيعونها بسعر أقل قليلا من سعر الوكالة، لكنهم في المقابل يفرضون أسعاراً مضاعفة ( أس تكعيب ) للقطع النافدة من الوكالات. لأنهم يعرفون أن العميل سيكون بين خيارين فقط.. إما أن يشتريها رغم أنفه، وبالسعر الذي يروق لهم دون حسيب أو رقيب، أو يقبل ببقاء سيارته جثة هامدة أمام عينيه، ثم لأنهم يدركون أنهم بمنأى عن أي شكوى أو مساءلة، خاصة وأنهم يرون أن من ذهب للتجارة لشكوى الوكيل لعدم توفير القطع، لم يخرج منها إلا بقبض الريح وحصاد الهشيم، ومن هنا فإني أعتقد ان من اخترع لهم اسم ( سوق التشليح ) لابد وأن يكون رجلاً عبقرياً لأن التسمية أصبحت مركبة، فهي لا تتوقف عند ( تشليح ) السيارات الهالكة، وإنما تمتد مثل النار في يوم عاصف إلى ( تشليح ) جيوب العملاء المغلوبين على أمرهم بين جشع الوكيل، وكبر حجم وسادة الوزارة، وانتهازية هذا السوق الذي يتغذى على تقصير معظم الوكالات وابتزازها للناس .