نهاية العام الماضي استطلعت بي بي سي آراء 11000 شخص من 23 قطراً حول العالم لمعرفة الموضوعات التي يتحدثون فيها بشكل دائم، وقد احتل كل من "الفساد" و"الفقر" المرتبتين الأولى والثانية، وتضاعفت نسبة الذين تشغلهم البطالة 6 مرات منذ عام 2009م. وهذا يعني أن البطالة هي أسرع الموضوعات المثيرة للقلق حضورا في هواجس الناس ومجالسهم. الأرقام والاحصائيات تعطي مؤشرات تحتاج إلى دراسة متأنية من قبل المختصين. فبلد مثل بنغلاديش يبلغ ناتجه المحلي 285 مليار دولار لا تزيد فيه نسبة البطالة على 5% في حين يبلغ عدد سكانه حوالي 161 مليون نسمة. وبلد فقير آخر ضمن جامعة الدول العربية هو جيبوتي يبلغ ناتجه المحلي 2.26 مليار دولار ونسبة البطالة فيه 59% بينما لا يتجاوز عدد سكانه 750 ألف نسمة. وفي كلّ من البرازيل وبريطانيا وفرنسا التي تسجل أرقام الناتج المحلي فيها مع فوارق بسيطة حوالي 2.3 ترليون دولار تقدر نسب البطالة بحوالي 4.7% في البرازيل، و8.1% في بريطانيا، و10.2% في فرنسا. وفي حين يتراوح الناتج المحلي في كل من ماليزيا وباكستان ومصر وتايلاند مابين 453 و610 مليارات دولار في السنة، فإن نسب البطالة لا تعكس هذا الفارق في الناتج المحلي ففي حين تبلغ نسبة البطالة في تايلاند 1.2% فقط، وفي ماليزيا 3%، وفي باكستان 5.7% فإنها ترتفع في مصر إلى 9.4%. أما المملكة التي يبلغ ناتجها المحلي حوالي 700 مليار دولار فإن نسب البطالة غير دقيقة ولا تستطيع أية جهة محايدة إعلانها وفقا للتعريفات العالمية للبطالة، وفي حالة تحديدها وفقا لتعريف منظمة العمل الدولية فسيكون ذلك محرجاً للمجتمع أكثر منه للدولة "فالعاطلون عن العمل وفق تعريف المنظمة هم الأشخاص فوق سن معينة (18 سنة مثلا) الذين لم يكونوا خلال الفترة المرجعية يعملون بأجر، أو لحسابهم الخاص، وهم جاهزون للعمل بأجر أو لحسابهم الخاص، واتخذوا خطوات محددة في فترة قريبة (تختلف من بلد لآخر) للحصول على عمل بأجر أو لحسابهم الخاص. قد تشمل هذه الخطوات التسجيل في مكاتب التوظيف في القطاعين الخاص والعام؛ والتقدم للوظائف؛ والتدقيق في مواقع العمل؛ ومواقع الإعلان عن العمل؛ وطلبوا المساعدة من الأصدقاء أو الأقارب للحصول على عمل؛ وبحثوا عن موارد لبدء الأعمال التجارية الخاصة أو ترتيب لاقتراض رأس المال لبدء أعمال خاصة". فكم من العاطلين لدينا ينطبق عليهم هذا التعريف؟ تبادلتُ أطراف الحديث مع سائق في عاصمة أوربية، وفاجأني أنه يحمل الماجستير في القانون، وكان فخورا بوظيفته ومخلصا لها ويؤديها بإتقان، ولم يشتك مطلقا من وضعه لا تصريحا ولا تأففا، رغم أنه يوجد في بلده عشرات الآلاف من الأجانب الذين يعملون بأقل من مؤهلاته في مجال المحاماة والأعمال القانونية، وكأنه يقول لي الدنيا أرزاق وأنا راض برزقي. موضوع البطالة في مجتمعنا السعودي خطير، ومصدر خطورته أن هناك من يستخدمه بكل أسف ليسيء لبرامج الدولة التنموية، ويدلل به على فشل أجهزتها على احتواء هذه الأعداد من الباحثين عن عمل. الدولة تخطئ باستنفاد جهودها في توظيف جميع الباحثين عن عمل دون إيجاد حلول بعيدة المدى، والمجتمع يضغط بأنانية للحصول على حلول آنية دون التفكير في المستقبل. الجامعات تخرج الآلاف سنويا، وبرنامج الابتعاث نتوقع منه عشرات الآلاف من حملة الدرجات الجامعية وما فوقها، والدولة لن تستطيع استعياب هذه الأعداد من المؤهلين لسوق العمل في الوظائف التي يريدونها. التحدي الذي يجب أن تضطلع به أجهزة الدولة يتمثل في رفع مستوى وعي الباحثين عن العمل بأهمية الواقعية، وأن الفرص المتاحة كبيرة جدا بشرط تغيير اشتراطات المجتمع، والتواضع في قبول المعروض من الوظائف. والمطلب الأساس من الجهات الرسمية يتمثل في المساعدة على خلق سوق عمل حقيقية، وسن تشريعات تحد من الاستقدام من جانب، وتضمن المنافسة في فرص العمل وتحمي شفافية وعدالة الترشيح، وأخرى تضمن حقوق العاملين في القطاع الخاص وحقوق أرباب العمل.