يشهد العالم بداية عودة انتعاش الاستثمارات الحذرة على خلفية الضغوط المتزايدة الملقاة على عاتق المستثمرين لتحقيق أقصى درجات الفائدة من رؤوس الأموال الضعيفة والمخاطرة بميزانياتهم، فالعديد من المستثمرين أعاد تقييم نهجه المتبع في التعاطي مع مقياس بيتا "المتخصص في قياس درجة حساسية الورقة المالية"، بالتزامن مع الزيادة المتاحة في عدد الاستثمارات الحذرة، الأمر الذي مهد الطريق لدخول معترك أسواق وفئات أصول جديدة. وهذه التوجهات الاستباقية لتقييم الاستثمارات، هي نتيجة الاعتماد على مقياس بيتا بشكل أكبر في مرحلتي تصميم وتنفيذ استراتيجية الاستثمار، ما أسهم في احتضان العديد من الفرص الجديدة، فقد شهدت الأصول المرتبطة باستراتيجيات الاستثمار الحذر تزايداً ملحوظاً لبعض الوقت، وعلى سبيل المثال، ارتفعت أصول سوق صناديق المؤشرات المتداولة (صناديق الاستثمار المتداولة) عالمياً من 74 مليار دولار في العام 2000 إلى 1,351 مليار دولار في العام 2011. وقال المدير العام لشركة بلاك روك الشرق الأوسط نيغيل موردوخ: في الولاياتالمتحدة شكَلت صناديق المؤشرات بما فيها صناديق المؤشرات المتداولة "ETF's" ما يقرب من 20% من حجم السوق في العام 2010، بينما في المملكة المتحدة بلغت نسبة الاستثمارات المؤسسية الحذرة المنتدبة 38% من الأصول المؤسسية في نهاية العام 2010 (وفقاً لتقرير "جمعية إدارة الاستثمارات" خلال شهر يوليو من العام 2011). المستثمر محور الابتكار واضاف: الدعائم التي يقوم عليها انتعاش هذا النوع من الاستثمارات هو نقطة تحول في أسلوب تعامل المستثمرين في توزيع الأصول المكونة لصناديقهم، وذلك كون عملية توزيع الأصول تلعب بطبيعة الحال دوراً جوهرياً في تحقيق العائدات، فقد وجدت الدراسة الشهيرة لكل من "روجر إيبوتسون وبول كابلان" والمنشورة في عام 2000 توضح 40 أو 90 أو 100% من الأداء، أن توزيع الأصول شكَل وبمعدل متوسط أكثر من 90% من التباين في العائدات الفصلية للمحفظة. وعلى كل الأحوال فإن المستثمرين قد باتوا يطالبون وبشكل متزايد بتطبيق المزيد من المرونة في طريقة توزيعهم لفئات الأصول المختلفة، في محاولة لتحقيق أعلى العوائد في إطار مخاطر استثمارية محسوبة، وهو الأسلوب الذي أدى للانحراف عن مسار النهج المرجعي التقليدي لتوزيع الأصول، ونتج عنه ظهور استثمارات ضمن مجال واسع من فئات الأصول، وزيادة استخدام استراتيجيات توزيع الأصول التكتيكية. توزيع الأصول ويشير موردوخ الى أن الكثيرين أصبحوا ينظرون إلى استخدام "استراتيجيات الاستثمار الحذر" كوسيلة لتنفيذ قرارات توزيع الأصول، الأمر الذي من شأنه أن يوسع مجال توزيع الأصول ضمن نطاقات جديدة مقتصرة على القطاعات والأسواق، كما أنه يساعد على توفير حلول استثمارية موثوقة وتداولات تحوط أشمل. وبتنا نلاحظ أن المستثمرين عادةً ما يتخذون قرارات فعالة على مستوى توزيع الأصول، ومن ثم يتم تنفيذ هذه القرارات من خلال السندات ذات المخاطر المحدودة والحذرة. وكثيراً ما يلجأ المستثمرون لاستخدام منهجية "التبعية الجوهرية" من خلال الجمع المشترك بين الاستثمارات الحذرة والنشطة، حيث تستعمل مؤشرات تتبع السندات لتوفير التنوع والتقلب المنخفض للأسعار، بالإضافة إلى إتاحة فرصة التنقل الفعال ما بين الفئات وفقاً لتطَور حركة الأسواق. وتتكون الاستثمارات النشطة من مجموعة من التداولات غير المترابطة في الأسواق، والتي قد تتيح المزيد من الفرص لكسب عوائد إضافية. تحقيق المرونة ويرى مردوخ أن هذا السعي المتزامن أدى لتحقيق أكبر قدر من المرونة، لتنامي مستخدمي مقياس بيتا، وبوجه خاص من خلال طرح مؤشرات ومنتجات وفئات أصول جديدة. كما فتح التوسَع في عدد من المؤشرات الجديدة التي توفر معياراً ضرورياً لمنتجات المؤشر، الباب أمام المستثمرين لكسب تداولات أوسع ضمن فئات الأصول الأساسية. فعلى سبيل المثال، لقد توسع نطاق تغطية مؤشرات الأسهم العالمية بحيث تخطت قطاع سوق رؤوس الأموال الكبيرة لتشمل قطاعات أسواق رؤوس الأموال المتوسطة والصغيرة. وبالمثل، فقد ظهرت هناك فرص لتقسيم السوق وفقاً لقطاع الأسهم أو لمعايير بقاء الدخل الثابت. كما توسعت مجالات الابتكارات الاستثمارية لتشمل فئات أصول جديدة كالسلع والممتلكات والأسواق الرائدة، مما وفر الأرضية الخصبة لإتاحة فرص متزايدة للنمو وازدياد توظيف الأموال، من خلال الفرص الاستثمارية الغنية السائدة في الأسواق الرائدة التي توفر لاقتصادياتها التطور المستمر مع عدم ربطها بالأسواق الناشئة الثابتة، كما تظهر الأرقام التصحيحية خلال فترة 8 سنوات بأن هذه الأسواق تبدي ارتباطاً ضعيفاً بالأسواق الرائدة، وهي ذات النتيجة التي كشفتها الأرقام التصحيحية حول مستوى الروابط القائمة بين الأسواق الناشئة والرائدة منذ 10 سنوات ماضية. متغيرات صناديق المؤشرات تزايد الاهتمام في أوساط المستثمرين بحلول "المؤشر المطروح وفق الطلب" مثل الاستراتيجيات التي تطبق برامج الترجيح البديلة. وفي عالم الأسهم، هناك عدد من استراتيجيات المؤشر المتاحة التي من شأنها ترجيح الدول أو الأسهم عن طريق اتباع تدابير بديلة لرسملة عوائد الأسواق مثل إجمالي الناتج المحلي، برسم حد أدنى لتقلب الأسعار واتباع استراتيجيات المؤشر الأساسية. وباتت مؤشرات إجمالي الناتج المحلي ترجح الدول وفقاً لإجمالي الناتج المحلي بدلاً من رأس مال السوق، مما يؤدي إلى الانحراف بعيداً عن أسواق الأسهم المهيمنة مثل سوق المملكة المتحدة، والخوض أكثر في السوق الألمانية وبعض الأسواق الناشئة. وتركز استراتيجيات مؤشر تقلب الأسعار بالحد الأدنى على تحقيق تبادلات عالمية للأسهم بأقل مخاطرة ممكنة، ودون الانحراف إلى حد كبير عن خصائص الترجيح الأوسع لرأس المال في مؤشر السوق عبر استخدام النموذج الأمثل للمخاطر لبناء المؤشر. وتستخدم المؤشرات الأساسية عوامل مختلفة مثل الأرباح والمبيعات لترجيح الشركات، فالأساس الاستثماري المنطقي يستدعي أن تكون أقل تأثراً بتغيرات السوق أو المزايدات المبنية على الأخبار خلال فترة زمنية قصيرة، مما يضع أمامنا مؤشرا يميل نحو القيمة وأسهم الشركات ذات رؤوس الأموال الصغيرة. ولذلك فإن استراتيجيات المؤشر البديلة وبكل وضوح، لا تعتبر استثمارات حذرة حقيقية كونها تحيط بالمشهد الاستثماري من أبعاد مختلفة. صناديق المؤشرات المتداولة ويؤكد مردوخ أن مجتمع الاستثمار شهد توسع أعداد أدوات مقياس بيتا المتاحة بحيث تخطَت صناديق المؤشرات التقليدية والعقود الآجلة للمؤشر، لتشمل صناديق المؤشرات المتداولة التي توفر تكلفة منخفضة لتوظيف الأموال وإمكانية الوصول إلى مجموعة أوسع بكثير من فئات الأصول والقطاعات، كما توفر صناديق المؤشرات المتداولة السيولة والمرونة اللازمة ضمن توقيت المنطقة بوتيرة مرحلية خلال يوم العمل، والقدرة على الارتباط بالالتزامات الطويلة والقصيرة على حد سواء، بالإضافة إلى زيادة فرص الوصول إلى مستوى أكثر تفصيلاً في مقياس بيتا، مثل مؤشرات القطاع أو السلع الفردية. ولعل انخفاض تكلفة صناديق المؤشرات المتداولة تشير إلى أنها أدوات فعالة بالنسبة لمجموعة من الاستراتيجيات التكتيكية التي تستخدمها المؤسسات الاستثمارية، مثل سيولة الأسهم، وتناوب القطاع، وإعادة التوازن والوصول إلى فئات الأصول البديلة. فيما يلاحظ ظهور قيمة صناديق المؤشرات المتداولة بشكل واضح خلال الأشهر القليلة الأولى من العام الجاري، وذلك بعد أن تم استثمارها من قبل أعداد كبيرة من المستثمرين لدرء المخاطر عن محافظهم الاستثمارية، حيث تراجعت الأسواق بشدة عن أدنى مستوياتها التي حققتها في شهر ديسمبر الماضي. كما أصبحت مجموعة فئات الأصول التي قام المستثمرون من خلالها بتوظيف صناديق المؤشرات المتداولة أوسع، على الرغم من أن مجالات الاستثمار التقليدية مثل الأسهم الأمريكية قد شهدت تدفقات كبيرة في الأشهر الأخيرة، إلا أن المستثمرين يجنون فوائد متزايدة باستمرار من المنتجات النشطة في الأسواق التي عادةً ما ينظر إليها لكونها في نطاق نشاط المدراء مثل الأسواق الناشئة. وقد تم تسجيل معدلات تداول قياسية في أسهم الأسواق الناشئة في الشهرين الأولين من عام 2012، حيث بلغت قيمتها الإجمالية حوالي 15 مليار دولار. ويوضح مردوخ أن تزايد أعداد الاستثمارات الحذرة المتاحة، مهد الطريق للدخول في مجالات أسواق وفئات أصول جديدة، كما أن انخفاض تكلفة صناديق المؤشرات المتداولة باتت تؤكد أنها تشكَل الأدوات الفعالة بالنسبة لمجموعة من الاستراتيجيات التكتيكية التي تستخدمها المؤسسات الاستثمارية.