يشتكي بعض الشباب من عدم تفهم أُسرهم لرغباتهم واحتياجاتهم، بل قد ينظرون إليهم ك»قُصّر» لا يحسنون التصرف أو التعامل مع مواقف الحياة المختلفة، مغيّبين طموحهم، وهو ما يؤكد على أن بعض الآباء لم يستوعب بعد التغيرات الكبيرة التي يمر بها المجتمع؛ مما يُحتم التقرب إلى الأبناء ودعمهم، وكذلك محاولة تفهم احتياجاتهم، حتى لا يجدوا سبيلاً لتحقيقها خارج إطار الأسرة!. احتواء جيل اليوم ب«الحوار» والكلمة «الطيبة» وتحصينهم ب«الوعي» و«استقلالية الاختيار» و«تحمل المسؤولية» ويتمتع بعض الآباء بقدر كبير من الوعي والإدراك، حيث تجاوبوا سريعاً مع متطلبات العصر، ومنحوا أبناءهم حرية أكبر في مناقشتهم وإبداء وجهات نظرهم في شؤون حياتهم كلها، مما جعلهم أشبه ب»المؤسسة الاستشارية» التي أفرزت استقلالية فكرية للأبناء، إلاّ أنه لابد من عدم نسيان احترام الآباء، وطاعتهم ومناقشتهم بأسلوب ولغة لا تخلو من التعابير والمفردات المنتقاة، التي تحمل في طيّاتها إجلالاً وإكباراً للأهل، وتبيّن لهم مكانتهم العالية، وأنهم أهل الخبرة والتجربة التي لا يمكن أبداً تجاهلها. وأدى انفتاح المجتمعات على بعضها البعض أن يأخذ الشباب ثقافتهم من مصادر متنوعة، وبدأت شخصياتهم تتأثر بما يطلعون عليه من أفكار وثقافات أخرى واسعة، كما أن الإعلام أثّر على أفكار وسلوكيات البعض، فأصبحوا ينظرون إلى آبائهم من باب أنهم جيل قديم يحمل أفكاراً لا تتناسب والعصر الذي يعيشون فيه. سيطرة مُطلقة وقال الشاب «عبد الرحمن العشيوي»: كان للآباء في وقت سابق سيطرة مطلقة على أبنائهم في شؤون حياتهم كلها، خاصةً فيما يتعلق بتوجهاتهم الفكرية وحياتهم المستقبلية، مضيفاً أنه لم يكن الأب يرضى أن يسلك أبناؤه طريقاً يتعارض مع رأيه، وفي الوقت نفسه لم يكن للأبناء القدرة على الاعتراض أو حتى المناقشة، مشيراً إلى أن لذلك مسوغات عديدة منها البيئة العامة التي تربى فيها الآباء ونقلوها لأبنائهم، وهي التي تؤسس على أن الأب هو من يحدد المسار التعليمي لأولاده، وهو من يختار الشريك الدائم لبناته، مؤكداً على أن الاعتراض ومناقشة الآباء سيؤدي إلى وضع الابن في خانة «العقوق»، مبيناً أنه لم يكن لهذه التبعية مشاكل نفسية واضحة على الأبناء؛ لأن غالبية المجتمع كانت تعتمد ذلك. وأضاف أن النقلة النوعية التي شهدها المجتمع، خاصةً في الجانبين التعليمي والثقافي، أدت إلى تغّير الكثير من الأفكار والمعتقدات، مبيناً أن «الثورة المعلوماتية» أصبحت سبباً لإعطاء الأبناء فرصة للتعرف أكثر على حقوقهم وواجباتهم تجاه آبائهم، وفرصةً لأن يعطي الآباء أبنائهم مجالاً أوسع لمناقشتهم ومشاركتهم في التخطيط لشؤون حياتهم. مؤسسة استثمارية وذكر «العشيوي» أن بعض الآباء على قدر عالٍ من الوعي والإدراك، تجاوبوا سريعاً مع متطلبات العصر، ومنحوا أبنائهم حرية أكبر في مناقشتهم وإبداء وجهات نظرهم في شؤون حياتهم كلها، مما جعلهم أشبه بالمؤسسة الاستشارية التي أفرزت استقلالية فكرية للأبناء، حتى وإن كانت تتعارض مع أفكار ومعتقدات هذه المؤسسة، مضيفاً أنه أصبح من الطبيعي أن نرى الأبناء هم من يختار تخصصاتهم الدراسية، وهم من يسيّر شؤون حياتهم، والأهم من ذلك هم من يختار شريك حياته حتى باتت كلمة التبعيّة شيئاً من الماضي، وهذا ما أنتج أفراداً قادرين على تحمل المسؤولية واتخاذ القرارات، بل وانعكس إيجاباً على المجتمع؛ لأنهم بذلك عززوا مبدأ الحوار الذي يجب أن يبدأ من المنزل حتى يكون سمة تميّز المجتمع، مشدداً على أهمية عدم نسيان احترام الآباء، وطاعتهم ومناقشتهم بأسلوب ولغة لا تخلو من التعابير والمفردات المنتقاة، التي تحمل في طيّاتها إجلالاً وإكباراً للأهل، وتبيّن لهم مكانتهم العالية، وأنهم أهل الخبرة والتجربة التي لا يمكن أبداً تجاهلها. تسديد ومقاربة وأوضح «سعد الماجد» أن طريقته في التعامل مع ابنيه اختلفت تماماً، خاصةً مع وصولهما للمرحلة الثانوية، ويعزو ذلك إلى أن المتغيرات التي طرأت على الحياة الاجتماعية العصرية، وكذلك المخاوف التي تحيط بها، مما يخشى معه الإنجراف إلى ما يؤثر سلباً على سلوكهم وأخلاقهم، بل ومصيرهم، مضيفاً أنه لم يجد خيار أمامه إلاّ أن يكون قريباً منهم، متفهماً لاحتياجاتهم، محاولاً التسديد والمقاربة، مبيناً أنه من واقع تجربته اكتشف مدى الحاجة إلى أن نتفهم فعلاً لما تتطلبه المرحلة التي يمر بها الشباب حالياً، وأنه لا توجد مقارنة بين ما مررنا به في شبابنا، وما هو عليه حال الشباب اليوم، لافتاً إلى أنه لم يجد الأمر بالنسبة له مربكاً كما توقع، وإنما شعر بارتياح كبير لتغيير طريقته في التعامل معهما كرجلين مع احترام خصوصياتهما، مؤكداً على أنه لم يفقد احترامهم له أو هيبته، بل شعر أنه ما زال يحظى بشيء من الشخصية الأبوية التي لم تخرج معها الأمور من تحت سيطرته. حلم وطموح وأكد الشاب «محمد العوام» على أن كثيراً من الأهالي لا يتفهمون رغبات واحتياجات أبنائهم، بل وينظرون إليهم كقُصّر لا يحسنون التصرف أو التعامل مع مواقف الحياة المختلفة، ومن ذلك خيارات الدراسة والمستقبل، مغيّبين تماماً طموح ورغبة ابنهم او ابنتهم، بل قد يواجه بالسخرية مما يفكر أو يطمح، فيحصل الصدام والمواجهات المؤثرة التي قد تفضي إلى ابتعاد الشاب عن أسرته، رغبةً في أن يحقق ذاته بنفسه، معترفاً أنه تعرض لهذا الموقف من أهله، حيث كانوا يرغبون في أن يلتحق بأحد الكليات العسكرية، في حين كان طموحه أن يكون له مشروع خاص، وأن يدعمه والده مادياً، مشيراً إلى أنه عندما لم يتحقق ذلك قرّر أن يشق طريقه في الاتجاه الصحيح، ذاكراً أنه فخور بنفسه وبما حقّقه حتى الآن، بل لن يتخلى عن حلمه وطموحه مهما كان الأمر. وأضاف أن بعض الأهالي لم يستوعب بعد التغيرات الكبيرة التي يمر بها المجتمع، حيث بإمكان الشاب الاستقلال بحياته مع ما يتهيأ له من تجارب مختلفة سواء كانت سلباً أو إيجاباً، مشيراً إلى أنه من الأفضل التقرب إلى الأبناء ودعمهم، بل ومحاولة تفهم احتياجاتهم، حتى لا يجدوا سبيلاً لتحقيقها خارج إطار الأسرة!. أمر مختلف وقالت الشابة «سارة الحسين»: إن الفتاة تواجه سُلطة ووصاية أكبر مما هو على الأبناء؛ بسبب أن الشاب رجل وأنه مهما تعرض أو ارتكب من أخطاء وتجاوزات تعزى إلى مرحلة طيش، ويتم التغاضي عنها تماماً، مضيفةً أنه بالنسبة للفتاة الأمر مختلف، حيث تواجه مزيداً من التضييق، ناهيك عن التحكم في مسار الدراسة أو توجيهها بحسب ظروف الأسرة؛ بسبب عامل المواصلات والحالة المادية ومستقبل العمل الوظيفي، مدافعةً عن حق الآباء في الوصاية على أبنائهم، إذ ترى أن وصايتهم تنطلق من حبهم وحرصهم على مصلحة أبنائهم، لكنهم أحياناً قد يظنون في شيء مصلحة لا توافق رغبات الأبناء، مؤكدةً على أن والدها شجعها على دراسة الصيدلة مع معارضة بعض الأقارب، إلاّ أنها في النهاية اختارت إدارة الأعمال، بعد أن وجدت نفسها بها، حيث لم تجد من والديها إلاّ كل ترحيب وتشجيع. وأضافت أن التعليم والزواج قرارين مصيرين في حياة الانسان، وقد يغيّران حياة الشخص بشكل لا يمكن العدول بعده، مبينةً أن المشورة والاقتناع شيء مهم، وفرض الرأي على الابن قد يحدث هزّة بالنفس!. جيل متفهم وأوضحت «سارة الحسين» أنها وجدت بعض الزميلات ممن عارضن أهاليهن في دراسة أو زواج ثم ندمن على ذلك، والعكس وجدت البعض اتبعن مشورة أهاليهن وسعدن بالاختيار، وكذلك هناك من ندم على اتباع مشورة والديه لأنها لم توافق رغبته اطلاقاً، مضيفةً أن المعيار هنا ليس سن الشاب أو الفتاة بل رشده واطلاعه ومعرفته بالخيارات المتاحة له، وكذلك طريقة المفاضلة والاختيار، مشددةً على بذل الوالدين جهدهما ليس فقط في اقناع الابن بل في فهم وجه نظره، فالحوار لابد ان يكون بديلاً عن الوصاية وفرض الرأي، لافتةً إلى أننا في عصر دخلت فيه عوامل أثرت على الشخص في تعامله مع الآخرين غير الوالدين، فمثلاً الجيل السابق فرضت عليه أمور كثيرة، لكنها تراه جيل متفهم في تربية أبنائه. تغيرات اجتماعية وعزا «أ.د.غيثان الجريسي» -أستاذ الدراسات الاجتماعية - أسباب فقدان الآباء وأولياء الأمور لجانب كبير من سلطتهم وسيطرتهم، أو ما اصطلح على تسميته بالوصاية على أبنائهم وبناتهم، إلى تغيرات اجتماعية أهمها الجانب المادي، حيث كان الناس يحتاجون بعضهم البعض ما يجعلهم تحت مظلة الوالدين فترة من الزمن، وعندما تحسنت أحوال الشباب وأصبحوا يعملون ويستقلون مادياً عن آبائهم، استطاعوا أن يحققوا ويحصلوا على ما يشاؤون من كل ما يطمحون ويرغبون في الحصول عليه، مضيفاً أنه أدى انفتاح المجتمعات على بعضها البعض إلى أن يأخذ الشباب ثقافتهم من مصادر متنوعة، وبدأت شخصياتهم تتأثر بما يطلعون عليه من أفكار وثقافات أخرى واسعة أكثر انفتاحاً لكنها غير مقننة، مشيراً إلى أنه مع توفر المال وفقدان الوعي أفرز عقلية غير ناضجة، ناهيك عن الإعلام وإرهاصاته السلبية في العشرين عاماً الماضية، وتأثيره على أفكار وسلوكيات الشباب والشابات، فأصبحوا ينظرون إلى آبائهم من باب أنهم جيل قديم يحمل أفكاراً لا تتناسب والعصر الذي يعيشون فيه. فروق مختلفة وألقى «د.الجريسي» باللائمة على الأسرة، حيث يرى أن كثيراً من الآباء مقصرين تجاه العلاقة بينهم وأبنائهم، فهم بعيدون ومنشغلون بحياتهم الشخصية وأمور ثانوية كالسفر والسهر وفي أعمالهم، وجميعها غير مبررة، مؤكداً على أنه يوجد فروق مختلفة من أسرة إلى أخرى، وكذلك يوجد سلوكيات سلبية لدى أحد الوالدين، مبيناً أن هناك آباء وأبناء يتمتعون بالوعي الكافي، مع محاولة فتح مجال للحوار العقلاني وإعطاء الثقة لأبنائهم، مشيراً إلى أن مؤسسات اجتماعية مهمة كالمدارس والجامعات والوزارات والمساجد ووسائل الإعلام والدعاة والخطباء وغيرها من الجهات المعنية تقع عليها المسؤولية في تنمية الوعي لدى أفراد المجتمع، وأن تؤدي دورها في توعية الأبناء على قيم الإسلام والوسطية التي تكفل تجاوز هذه المرحلة، حيث الأسرة وحدها لا تستطيع أن تؤدي هذا الدور منفردة، مهما جاهدت في ذلك.