تواصل أسعار النفط في الأسواق العالمية ارتفاعها منذ ما يقارب ثلاثة أشهر. وترى مجموعة QNB أن هذا الارتفاع يأتي نتيجة لمجموعة من العوامل بما في ذلك المخاوف من المخاطر الجيوسياسية وآليات الإمدادات في الأسواق الداخلية وتراجع حالة التشاؤم حول مستقبل الاقتصاد الأمريكي. وشهدت أسعار النفط ارتفاعات قوية خلال الربع الأول من العام الجاري حيث اقترب سعر مزيج برنت من مستوى 125 دولاراً للبرميل. لكن الأسعار تراجعت خلال شهر أبريل وواصلت انخفاضها في مايو ويونيو لتصل إلى مستوى متدن عند 89 دولاراً للبرميل. ويرجع هذا الانخفاض إلى المخاوف من فوز أحزاب المعارضة في الانتخابات اليونانية والذي كان من المتوقع أن ينتج عند خروج اليونان من اليورو مما يمكن أن يؤدي إلى تدهور الثقة في العملة الأوروبية الموحدة وحالة ركود اقتصادي في منطقة اليورو، وبالتالي يتراجع الطلب على النفط. وتزامن مع هذه المخاوف وجود مؤشرات على تباطؤ النمو الاقتصادي في الأسواق الناشئة الرئيسية مثل الهند والصين، وهي الدول التي أسهمت في زيادة الطلب العالمي على النفط. وتعافت الأسعار بسرعة بعد الانتخابات اليونانية في 17 يونيو حيث لم تتحقق مخاوف الأسواق. ولا يزال التعافي مستمراً في أسعار النفط منذ ذلك الحين رغم أن الأسواق شهدت عمليات تصحيح محدودة ورغم صدور العديد من البيانات الاقتصادية السلبية وارتفاع المخاوف بشأن البنوك الإسبانية وارتفاع ديون الحكومات المحلية هناك. وفي بداية شهر أغسطس تعافت الأسواق بسبب ارتفاع التوقعات بتحرك البنك المركزي الأوروبي لتخفيف حدة الأزمة المالية في أوروبا من خلال شراء السندات الحكومية. كماأن بيانات الوظائف الجديدة في الولاياتالمتحدة جاءت أفضل من التوقعات مما زاد من توقعات تعافي الاقتصاد الأمريكي رغم استمرار معدلات البطالة عند 8.3. % وتتزايد التوقعات أيضاً بشأن قدرة إجراءات التخفيف النقدي في الصين ستحافظ على معدلات النمو الاقتصادي عند مستويات أعلى من 7%. وأسهمت هذه العوامل في ارتفاع سعر مزيج برنت إلى 112 دولارا للبرميل في 7 أغسطس، وهو أعلى مستوى في حوالي ثلاثة أشهر. ومن بين العوامل الأخرى التي تؤثر في ارتفاع أسعار النفط المخاوف الجيوسياسية في مناطق إنتاج النفط مثل الأحداث الدائرة حالياً في سوريا وتداعيات العقوبات الأمريكية على إيران. كما أن عوامل داخلية بدأت في التأثير على أسعار النفط. ويعتبر مزيج برنت من بحر الشمال هو الخام المرجعي الذي يحدد أسعار النفط في أغلب أرجاء العال في حين أن الخام الأمريكي الخفيف يحدد سعر معظم الجزء الباقي. وقد كانت أسعار الخامين متقاربة بحيث لم تتجاوز الفروق بينهما بضعة دولارات حتى عام 2010. غير أن تدشين مجموعة من خطوط أنابيب النفط في وسط الولاياتالمتحدة أدى إلى انخفاض أسعار الخام الأمريكي الخفيف مقارنة مع أسعار مزيج برنت الذي يتم شحنه في ناقلات النفط. وقد تراجع الفارق بين أسعار مزيج برنت والخام الأمريكي الخفيف خلال الربع الثاني من عام 2012، لكن هذا الفارق بدأ في الارتفاع من جديد منذ ذلك الحين نتيجة لعمليات الصيانة الدورية في البعض من أكبر حقول النفط مثل حقلي بوزارد وترول والتي من المقرر أن تجري خلال شهر سبتمبر. ومن المتوقع أن تؤدي علميات الصيانة إلى تقليص إمدادات مزيج برنت في الأسواق، وبالتالي تؤدي إلى زيادة الأسعار. ويتزايد الفارق بين أسعار مزيج برنت والخام الأمريكي الخفيف باستمرار منذ منتصف شهر يونيو وهو يمثل ثلث الارتفاع في أسعار مزيد برنت في هذه الفترة. وبالنظر للمستقبل، تشير توقعات منظمة الطاقة العالمية إلى أن الطلب العالمي على النفط سيصل على متوسط 88.9 مليون برميل يومياً خلال 2012، بزيادة قدرها 0.8 مليون برميل يومياً عن عام 2011، كما من المتوقع أن يرتفع الطلب بمعدل مليون برميل يومياً في عام 2013. وتكفي الإمدادات الحالية هذه الزيادة في الطلب، كما أن هناك توقعات بإمدادات إضافية من العراق ومن مصادر النفط غير التقليدية في الولاياتالمتحدة وكندا. ومن المتوقع أيضا عودة صادرات النفط من جنوب السودان إلى الأسواق العالمية بعد التوصل لاتفاق بين السودان وجنوب السودان الأسبوع الماضي حول رسوم نقل النفط عبر خطوط الأنابيب. وتتوقع مجموعة QNB أن هذه الأساسيات ستضغط على متوسط أسعار النفط والتي من المستبعد أن تتجاوز 110 دولارات للبرميل خلال عامي 2012 و2013. لكن من المحتمل أن تؤدي بعض المخاطر إلى ارتفاعات قوية لفترات محدودة في أسعار النفط وبالعكس فإن أي تدهور في الوضع الاقتصادي في منطقة اليورو أو أي منطقة أخرى في العالم سيؤدي إلى انخفاض أسعار النفط.