اللغة ظاهرة اجتماعية كسائر الظواهر الاجتماعية إذ لا تلبث الدلالات الصوتية، والصرفية والنحوية أن تحل من المتكلم والسامع منطقة اللاشعور أو شبه الشعور يراعيها بطريقة تكاد تكون آلية بدون جهد أو عناء كبير، وتلك هي المرحلة التي يعرفها اللغويون بالسليقة اللغوية. شرف الله تعالى اللغة العربية أن جعلها لغة القرآن، وشرفها لتحمل رسالته الخالدة للناس كافة إذ أوحى رسالته الخاتمة إلى رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، قال تعالى في محكم التنزيل: «إنا أنزلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون» سورة يوسف، الآية (2). «بلسان عربي مبين» سورة الشعراء الآية (95). ويقول الله تعالى لنبيه عليه أفضل الصلوات وأتم التسليم ( فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين وتنذر به قوماً لدا) سورة مريم الآية (97). وتسمو اللغة العربية على ما أوضع الله سائر اللغات من قوة وبان، ولا يجد فيها على ما سمعته لغة تضاهي اللغة العربية، ويضاف جمال الصوت إلى ثروتها المدهشة في المترادفات وتزينها الدقة ووجازة التعبير، واليسر في استعمال المجاز. وللغة العربية خصائص جمة في الأسلوب والنحو ليس بالامكان أن يكتشف لها نظائر في أي لغة أخرى، فهي أخصر اللغات في ايصال المعاني، وفي النقل إليها، وتعد من أقدم اللغات في العالم - ولا تزال - حتى اليوم تتمتع بخصائصها من ألفاظ وتراكيب ونحو وخيال مع قدرتها الفائقة على التعبير عن مدارك العلوم والمعارف الأخرى لأنها لغة محافظة، فدرجة الاختلاف - على سبيل المثال لا الحصر - بين عربية القرن الثامن الهجري، وعربية القرن العشرين، وهي أقل قلة واضحة منها بين (إنجليزية) هذين القرنين، فهذه روح المحافظة فعلت الكثير في الإبقاء على اللغة العربية دون تغيير طوال العصور الماضية، واضعفت تأثير (الزمن) فأمكن للأدب العربي، وكتاب الله الخالد (القرآن الكريم) أن يقرأ اليوم في سهولة ويسر، وقللت أيضاً من آثار البيئات (الأوساط) المختلفة، فأمكن للعرب في مختلف أنجاء العالم أن يتحدث بعضهم إلى بعض دون صعوبة ظاهرة. واعتنى العرب منذ القدم بلغتهم العربية لغة القرآن، فراح بعضهم يجمع الأشعار والارجاز يتخذ منها شواهد لتفسير القرآن أو بيان أحكامه، وراح غيرهم يجمع ألفاظ العربية من القبائل العربية الموثوقة، فقد استعملت كل قبيلة ألفاظاً خاصة لمعانيها، فلما جمع اللغويون اللغة لم يشيروا إلى ذلك، فصارت، وكأنها مترادفة. وعندما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم من يلحن في قول: «أرشدوا أخاكم فقد ضل». وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: «لأن أقرأ وأسقط أحب إليّ من أن أقرأ أو ألحن». وأمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه: بتعلم العربية إذ قال: (تعلموا العربية، فإنها تزيد في المروءة). وحينما سمع رجلاً يتكلم في الطواف بالفارسية، أخذ بعضده، وقال: ابتغ إلى العربية سبيلاً. ونفر عبدالله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما من رجل لحن بجانبه، فخاطبه قائلاً: إما أن تنحى عنا وإما أن ننحى عنك. وأعطى عمر بن عبدالعزيز رجلاً من بني عبدالدار مائة دينار بدلاً من مائتين لأنه لحن في الأسماء الخمسة، قائلاً من بنو عبدالدار! هل يقتدي السلف من هذه الأمة العظيمة بالخلف في التمسك بلغة العرب الأصيلة، لغة القرآن، وهي اللغة الفصحى بدلاً من العامية التي أصبحت - بكل أسف - يتباهى بها بعض المثقفين في استعمالها في مختلف وسائل الإعلام والاتصالات الحديثة عبر الشبكة العالمية للمعلومات (الانترنت) وبعض الفضاءات (الفضائيات) العربية التي درجت في بث برامجها ومحاوراتها مع المشاهير من الكتاب والأدباء وأهل الفن والسينما والمسرح؟