جبل من الأموال يعتليه رجل وقد امسك بدلو يغترف به من هذه الأموال ويسكبها من أعلى الجبل .. يحتار المرء لوهلة في تفسير مغزى هذه اللوحة التي تزين قاعة الاستقبال في شركة لإدارة المحافظ المالية لكنه سرعان ما تقع عيناه على نصيحة "لا تندفع وراء شائعات السوق" تتوج اللوحة. يشير وائل عنبة العضو المنتدب لشركة الأوائل لإدارة المحافظ المالية إلى اللوحة قائلا "الكثير من العملاء يتطلعون للأسهم المرتبطة بالشائعات بسبب العائد الكبير. ولكن لا أحد يفكر في ان هذا العائد قد ينهار في لحظة." يعمل عنبة في سوق المال منذ أكثر من 20 عاما ويبرم صفقات ضخمة يبيع ويشتري فيها عشرات الألوف من الأسهم يوميا. وقال "حققت ملايين الجنيهات خلال عملي وخسرت أيضا ملايين. هذه هي طبيعة سوق المال. لا يوجد رابح دائما دون خسارة. أسواق المال لا يمكن ان تخلو من المضاربات والشائعات." ومضى قائلا وهو يتابع ثلاث شاشات لأسعار الاسهم داخل مكتبه خلال مقابلة مع رويترز "البورصة هي حياتي. لا يمكن أن أنفصل عنها. أعمل 24 ساعة في اليوم. للأسف أنا مقصر جدا في حق بيتي وأسرتي بسبب البورصة." وعنبة أب لثلاثة أبناء. وقال عنبة "نعمل الآن في السوق وفقا لنظرية (اليوم بيومه). السياسة هي المتحكمة في السوق الآن." وأضاف رئيس مجلس ادارة شركة الاوائل الذي يحاضر في عدد من الجامعات المصرية "لا أعتمد على التحليل الفني في البيع والشراء بسبب عيوب تكوين المؤشر وتحكم ثلاثة أسهم في أدائه. 30 بالمئة من محافظ الشركة استثمار على المدى الطويل و30 بالمئة سيولة و40 بالمئة متاجرة سريعة. ونعتمد على التحليل الأساسي." وعن أسلوب ادارته للمحافظ المالية يقول عنبة "أدرس ميزانيات الشركات جيدا قبل الشراء في السوق ونحدد دائما أسعارا مستهدفة للأسهم للبيع عليها على المدى الطويل وأسعارا أخرى للمتاجرة السريعة." يتلقى عنبة تقارير كل 15 دقيقة من عمر الجلسة عن أسعار شهادات الايداع الدولية للاسهم المصرية في بورصة لندن وعن تعاملات الاجانب في السوق. ويقول وهو يلقي نظرة سريعة على أحد التقارير "قد أغير قرار الاستثمار في أي وقت في حالة حدوث أي حدث سياسي سلبي." وخلال عام 2011 الذي شهد الاطاحة بالرئيس حسني مبارك تعرضت البورصة المصرية لتقلبات عنيفة وخسرت الأسهم نحو 194 مليار جنيه (31.9 مليار دولار) من قيمتها السوقية. وانتعشت سوق الأسهم في مطلع 2012 لتسترد جزءا كبيرا من خسائرها وأخذت منذ ذلك الحين مسارا صاعدا تخللته فترات هبوط قصيرة على وقع التطورات السياسية. يقول عنبة "السوق المصرية مؤهلة للصعود ولكن الأحداث السياسية تقيد حركتها." وأردف قائلا "بعض العملاء خرجوا بشكل كامل من السوق واغلقوا محافظهم المالية بعد ثورة 25 يناير." ولتوضيح سرعة تأثر المتعاملين بالتطورات السياسية والأمنية قال عنبة "المتعاملون غادروا شركات السمسرة الأحد الماضي (5 أغسطس) وهم في قمة السعادة باستمرار صعود السوق. ولكن مساء نفس اليوم لم يتمكن أحد من النوم بسبب التفكير في تأثير أحداث سيناء على السوق في اليوم التالي." وقال عنبة إنه في اليوم التالي "نجح تركيز تعاملات الأجانب على سهمي أوراسكوم للانشاء وأوراسكوم تليكوم صاحبي الوزن الاكبر في المؤشر الاسبوع الماضي من تخفيف الخسائر رغم تخوف الكثيرين من تأثير أحداث سيناء على السوق." ويرى عنبة الذي لم ينقطع هاتفه عن الرنين أثناء المقابلة ان "الأجانب دائما الأكثر تأثيرا في السوق لشرائهم في الاسهم القيادية بعكس العرب الذين يتجهون دائما للمضاربات." وبلغ صافي معاملات الأجانب منذ بداية 2012 وحتى نهاية جلسة الخميس الماضي 3.512 مليارات جنيه كمبيعات بينما سجل العرب 1.146 مليار جنيه كمشتريات. وقال عنبة "الأجانب يخرجون من السوق المصري بسبب التوتر السياسي والأمني." وخلال إعطائه أوامر بالبيع على سهم إحدى شركات الاتصالات وإحدى الشركات بقطاع الكيماويات قال عنبة "لا يمكن ألا نتعامل في أسهم الاتصالات والعقارات بشكل يومي. هذه الأسهم الأكثر نشاطا في السوق." ومع اقتراب جلسة التداول من نهايتها أعطى عنبة أوامر شراء على نفس الأسهم التي قام ببيعها في بداية الجلسة ولكن بأسعار أقل قائلا "الجو غير صحي في السوق الآن ولا يساعد على اتخاذ قرار يتسم بالجرأة." ويزين الاستراحة الخاصة بالعملاء في الشركة عدد من اللوحات تحمل بعض الشعارات من أبرزها "كلما زادت المخاطرة زاد العائد". وقال عنبة وهو يتطلع لتلك اللوحة "نخفف الآن من محافظنا المالية قبل العيد. لا أستطيع أن اتوقع ما يمكن أن يحدث خلال الإجازة أو ما قد يحدث خلال مليونية 24 أغسطس." انتهى يوم العمل وانتهت مقابلة رويترز مع عنبة.. لكن اليوم كان يخفي في جعبته مفاجأة غير متوقعة. فقد عزل الرئيس المصري محمد مرسي امس الأحد كبار قادة الجيش وألغى إعلانا دستوريا مكملا في خطوة مثيرة نحو استعادة سلطته التي قيدتها الإدارة العسكرية لشؤون البلاد. واتصلت رويترز لاحقا بعنبة للتعقيب فقال "إذا وافق الجيش على هذه القرارات بدون رد فعل سلبي سيكون لقرارات مرسي اثر ايجابي على سوق المال لأنها تنهي الصراع الدائم على السلطة."