كانت الفتاة السروية في جبال منطقة الباحة وكذلك في جبال منطقة عسير تتمتع بكامل الحرية قبل بضع عقود من الزمن، وكانت الأمهات يصدحن بأصواتهن الجميلة وبأعذب الكلمات بطرق الجبل ذلك الموال الشبيه بلون " الزهيريات" في العراق والكويت كونه يعتمد على ما يسمى "الشقر" (الجناس) وهو من بحر البسيط في الغالب ومنه الرباعي والخماسي، وكانت النساء وكذلك الرجال والفتيان يرددونه أثناء الرعي والاحتطاب في جبال تهامة والسراة في منطقة الباحة ذلك الموال الجميل، ويشاركن الرجال في شتى مجالات الحياة، فكانت الحياة ملهمة للشاعر والفنان والروائي، وقد وقفت على بعض المنازل القديمة كالوقوف على الأطلال لنقل أحد الفنون التي تلاشت واندثرت، فوجدت منازل تكتنف من لمسات الفنان "المُلهم" ما يبهر العيون لجمالها من الداخل وقد كستها الزخارف بلمسات الفنان المُلهم الذي كان يطلق عليه النجار، غير أنه أخرج لنا فناً ممتعاً ولم يكن عمله لمجرد المهنة التي تهدف إلى كسب العيش ولجمال ما وجدته في هذا الفن فليس لي إلا أن أصفه في بضع كلمات من إحساسي فأقول مخاطباً ذلك الطلل: في عصر البيت الحجري المسقوف.. بأشجار العرعر.. كان الفنان.. يجيد النحت الغائر.. فنانٌ مبهر.. كان.. يتموسق بالألحان.. مع طرق الإزميل على المسمار.. في نغمة فنان مُلهم من أوتار النجار.. كان.. ينثر فناً في أرجاء المنزل.. فلا يدري النجار هل كان هو الفنان؟ أم أن أنامل "سين" امتدت من بابل ؟ أم أن الملك الآشوري "جُلْجامش" من سامراء.. هو منأنتج ذاك الفن المبهر ؟!.. أم أن الأنثى "عشتار" هيالملهم ؟!!! وفي الواقع أن الوقوف على الأطلال لا يقتصر على الشعراء اليوم كما هو الحال لدى شعراء العصر الجاهلي، بل أن الفنان والشاعر في هذا العصر استطاعا محاكاة تلك الأطلال الباقية والتي مضى عليها أكثر من عقدين أو ثلاثة عقود من الزمن وقد تغنى شاعر الغزل الشعبي المشهور بمنطقة الباحة أحمد بن جبران من شعراء قبل قرن من الزمان فقال بلون طرق الجبل مهنئاً للقمر والشمس لرؤيتها من يحب : هني عينك يا قمر وين أنت بادي... يا مخيل كل وادي وهني عين الشمس يوم تبدي على الهيل... من صلاة الصبح لليل وهني الدلّه وهني الفناجيل... تشتفي من لمسة الهيل وهني ماي (ن) يشربه وهني زاده... يوم ينزل في فواده وهني حلي(ن) يلبسه وهني ثوبه... يوم يتغطى جنوبه وهني البيت وهني الجداره.. وهني اهله وداره وهني قبر(ن) ينزله وهني لحده... يوم يمسي فيه وحده مشاركة النساء قديماً في منطقة عسير إبداع فن النحت في منازل الباحة