من محافظة حريملاء حيث موطن الأهل والأحباب وملاعب الطفولة، والشباب التي دخل لتوه عالمه الواسع، حمل عمر بن محمد الشريدي (18) عاماً والدته، وشقيقته العنود (13) عاماً في سيارته متوجهاً الى الرياض لصلة الرحم وتناول إفطار رمضان يوم الأربعاء السادس من الشهر الفضيل، كانت السيارة تذرع الطريق عصر ذلك اليوم، وكان الرمل يعفى على أمكنته، وكان الانقضاء يعفى على ذكرياته، وفجأة وقبل الوصول الى الرياض بالتحديد في جسر العمارية (نفس المكان الموازي تماما للطريق الذي توفي فيه قبل سنوات والد الأم وشقيقها)، ليكون أيضا اللقاء الأصعب للعائلة مع الموت وفي رفقة الموت، ليتحول المشهد الى زوال العائلة (الأم وابنها وابنتها) تحت أكوام من الحديد وكتل الخرسانة التي صنعها الإنسان لتكون شاهداً على يقين الزوال، ومع هذا الحدث المفاجئ والمقدر انطوت صفحة عائلة مكونة من أم فاضلة، وشاب في ريعان فتوته وضع للتو قدمه في مدرجات الجامعة التي لم يتلق فيها بعد دروسه، وطفلة في عمر الزهور توجهت في دراستها الى الصف الثالث متوسط بعد أن أتمت حفظ ثلاثة أرباع القرآن الكريم، ليلحقوا بوالدهم الشيخ الفاضل محمد الشريدي الذي توفي قبل ثلاثة أعوام وتحدث عن خاتمته عدد من الدعاة سبحان الله وبحمده لقد منّ الله عز وجل عليه بأن تفيض روحه الطاهرة بعد رفعه لاذان العصر من يوم الجمعة وفي الوقت المحدد تماما بصوت جهوري وشجي هز مشاعر الاطباء والعاملين بالعناية المركزة بمدينة الملك فهد الطبية بالرغم انه رحمه الله كان في حالة غيبوبة الا ان حسن الخاتمة جعلته يبعد الاكسجين من فمه ويكمل الاذان وقبل ان تفيض روحه يتلفظ بالشهادة ويودع الحياة الى الدار الآخرة ذلك المشهد المؤثر هاهو يتكرر مع عائلته الصغيرة التي تدفق برحيلهم مشاعر الالتياع أمام الفقدان المر، أمام الرعب الملطّف بالأسى والأسف على زوال الآخر، لكن الحزن أخذ يتحول الى أشبه بفرائحية الزوال المحترم للذات، لقد حدث الموت للعائلة جميعا في عصر يوم رمضاني قبل أفول شمس ذلك اليوم، وأصبع (السبابة) الجوهرة والدة عمر والعنود مرفوعاً في وضع التشهد وشاهداً على أنها من أهل الخير والصلاح والتقوى، في حين كانت وصية عمر والعنود مكتوبة كلا على حده في مواقع التواصل الاجتماعي قبل ساعات من الوداع الأخير للحياة وكأنهما ينعيان نفسيهما وإن لم يقصدا ذلك، لكنهما حتماً كانا على يقين بحتمية الموت، لقد كتب عمر الشريدي (18عاماً ) قبل فترة بسيطة من وفاته رسالة لكل أصحابه تحمل ثلاثة قلوب كأنها ترمز له ولوالدته وشقيقته وأشبه بوصية وذلك في قائمة التواصل الاجتماعي نصها "لا أدري إن نمت من سيوقظني؟ أهلي أم الملكين لسؤالي.. اللهم أحسن خاتمتي واصرف عني ميتة السوء"في حين أن العنود التي تبلغ من العمر عند رحيلها (13عاماً) ونجحت من الصف الثاني إلى الصف الثالث متوسط في مدارس تحفيظ القرآن بعد أن أتمت حفظ ثلاثة أرباع كتاب الله كتبت بما يشبه الوصية " أوعدوني حين موتي أن لا تتركوني .. تعلمون أني أخاف الظلام! تحدثوا معي بالدعاء. اجعلوا قبري نوراً" (وصيتي) ونظرا لما يحظون به من مساحة الحب فقد أثار رحيل العائلة جميع سكان محافظة حريملاء والأقارب والمعارف في المحافظة ومختلف مناطق المملكة حيث امتلأ جامع الحزم بالمصلين من الرجال والنساء كما امتلأت المقبرة بالمشيعين أثناء مواراة المتوفين الثرى، كما امتلأ منزل الأستاذ إبراهيم الشريدي بالمعزين على مدى ثلاثة أيام وتحول مكان العزاء من حزن إلى أشبه بالفرائحية "فرائحية الموت"، حيث كان رحيل العائلة في شهر الصوم الفضيل وقبيل ساعة الإفطار من حظهم لملاقاة ربهم وهم صيام ومشهود لهم بالخير والطيبة والصلاح والجميع يذكرونهم بالخير يدعون لهم بالرحمة والمغفرة وليس هذا فحسب بل ان الصغيرات صديقات وزميلات العنود قررن إقامة مشروع خيري صغير "برادة ماء" للعنود وكذلك زملاء وأصدقاء عمر الذين قرروا فرش مسجد واحتساب اجر ذلك العمل لصديقهم المحبوب عمر. رحمهم الله جميعا وأسكنهم فسيح جناته.