مشاعل بنت عبدالعزيز الكليب، تشكيلية استطاعت ترسيخ تجربتها الفنية بقوة في ساحة التشكيل السعودي، وتميزت في اسلوبها وخطها الذي باتت لوحاتها معروفة للجميع وإن لم تحمل توقيعها، فبساطة مفرداتها اللونية ذات العمق المعرفي والانساني أصبح من الصعب بفنان مجاراته إن لم يكن يحمل ذات الروح الساكنة والوديعة التي تنبئ بعاصفة فن جميل؛ في هذه المساحة نستعرض آراء نقدية حول تجربتها التشكيلية: في البدء يقول الكاتب والناقد التشكيلي فاروق سلوم: يتنقل الرسم في تجربة التشكيلية السعودية مشاعل الكليب من التربوي إلى الجمالي بصفته سيرة مقترنة بتحولات الظرف والوعي والوظيفة؛ وهي في معارضها الفنية تحاول الاقتراب أكثر من شرطة الجمال بانحيازٍ بيّن. ويضيف: إن تلك الانتقالات التي يمر بها الرسام، مرت بها مشاعل الكليب، حتى اختارت طريق التجريد باعتباره وسيط التعبير الأكثر تكثيفا واختصارا، والأكثر دلالة وتعبيرا. إننا نتأكد في قراءة أعمالها التجريدية أن كل انسان له أسلوبه، حيث لاتزال تلك المقولة قائمة تعكسها الأعمال الإبداعية وأن ترسيخ تلك الأسلوبية ما هي إلا انعكاس لذات الرسام باعتباره رائيًا. إنها تؤسس ملامحها التعبيرية من خلال حرية اشتغالها وتجاربها؛ الأسلوب الذاتي او التركيز في انبثاقات تعبيرية حرة هي نتاج تقصيها لتجارب الفن التشكيلي ومحاولة استخلاص الأسس الجمالية والأسلوبية التي تشكل الشخصية المحلية في الرسم برغم توكيدها أن الرسم أفق كوني مفتوح لكل أسلوب، المساحات اللونية، والضربة المغامرة، وتجريدية الأشكال ورمزيتها، هي ملامح لوحتها. إنها تنتقل بحذر نحو افاق لوحتها القادمة من مخيال، وكد ورؤية. أنني - والكلام للناقد سلوم - كلما تأملت تجريدات مشاعل الكليب، أرى أنها لا تنفك تراجع منجزها الفني ومنجز الرسم السعودي بغية الوصول بتجربتها نحو افق التجديد والأصالة والتميز. وهي بتلك المثابرة تنجز أعمال تعكس ذلك الأصرار للوصول إلى تلك الحلية التي تختفي تحت اثار الزمن، ان تلك المثابرة انما تؤكد اصرارها على اجتراح طريقتها الملغزة والمملوءة بمعانيها الاستثنائية للوصول بلوحتها الى لحظة التفجر الحي الذي يمثلها كرسامة ومتذوقة في آن معا. ويختم سلوم قائلا: انها تركز حقا في المهارة والحسية العالية والرهافة والدقة المتعمدة في تركيز خالص على كل تفصيل فني يعبر عن خبرتها التشكيلية، لتضفي كل ذلك على عملها الفني. إنني أرى دائما في مشاعل الكليب الطريق نحو الخصوصية والجرأة والمطاولة باعتبار كل ذلك عدتها الفنية والأسلوبية وباعتبارها عناصر لبقاء الرسم ودوام تأثيره الجمالي.. ومن هنا تكون اعمالها جديرة بالمشاهدة، والأعجاب. تجليات المرأة أما الاستاذة تهاني بنت عبدالله المبرك فتقول عن تجربة الكليب: شيء ما لفت انتباهي في لوحات الفنانة التشكيلية مشاعل الكليب، جعلني أتذكر مقولة بيكاسو"حين أرسم امرأة في مقعدها، فإن المقعد يعني لي الشيخوخة، والموت، وما ذنبي إذا كان مصير المرأة كذلك؟ أو ربما المقعد ليحميها: إن حضور المرأة الكثيف والمتنوع، ومراوحتها بين الجلوس والوقوف هو ذلك الشيء المثير في تلك اللوحات، فهل جلوسها هو تعبير عن الموت كما يرى بيكاسو أم طلب للحماية؟ وهل يكون الوقوف إذًا فرارًا من الموت؟. وتضيف المبرك: وبعد تحليل دقيق لكل عمل خلصت إلى أن شيئا ما تفضي به هذه اللوحات فالمرأة في جلوسها تتجلى حالمة، ومتأملة، وخاضعة مطمئنة، ومتطلعة، فالمعقد يمنحها الحماية حينا، والأغلب أن يسلمها إلى الشيخوخة والموت كما يرى بيكاسو. وأما وقوف المرأة في اللوحات فهو إشعار بقوتها وحرية اختيارها، ولكنها قوة تستمد طاقتها من شريك، من رجلٍ يقف بالجوار دائما، فهي إذًا حرية مشروطة. إنها الأنثى التي تغادر مقعدها ومظلتها فرارا من استعباد حياة مميتة لتستظل بعبودية اختيارية تمنحها الحياة والسعادة!" هذا ما قرأته في لوحات الفنانة مشاعل الكليب. لغة تجريدية لونية متنوعة ويرى الفنان والناقد تشكيلي عبدالرحمن المغربي أن لمشاعل الكليب "لغة تجريدية لونية تتنوع بين الشكل والصيغ الغامضة نوعا ما، وفي كل الحالات تتولد نزعة لديها من اجل البحث عن حساسية الألوان أو عن حياة المواد المستخدمة وقوتها ما يمنح العمل الفني هوية مستخرجة من جوانبه الروحية وليس من عنوانه. رسائل تنبع من خلالها فحواها (إن التركيز في اللون هو الوسيلة الفعلية للوصول إلى حقيقة العمل) وقد تكون هناك جوانب أخري لها تأثيرها غير أن اللون يأخذ دور البطولة والتركيز، وهذا ما أكده بول سيزان في مقالته المشهورة (كبرياء اللون يجعل الشكل ممكنا). بين المعنى والمبنى.. ثمة "شيء ما" هذا ويرى الناقد والفنان عبدالعظيم شيلي أن تملك أفكار ليس هذا يكفي لابد من التحام الشكل لتطويع الفكرة وتسييرها في خدمة نجاح العمل لتصل الرسالة بمضمونها الفني والجمالي، وإن إمساك هذه الرؤية ليس بالمسألة الهينة هناك بحث ومكابدات لإخراج العمل إلى حيز الوجود ليضيف معنى ومبنى في مسيرة الفنان ويبقى حاضرا في ذهنية المتلقي لاينساه بإنتهاء وقت العرض، هذا ما خلصت إليه أعمال مشاعل الكليب من تجاور الأثنين معا، وتحمل الأعمال في ثناياها تأويلات واستعارات لها دلالات مضمرة ومبطنة تفصح عن ذاتها مباشرة ثم تتوارى لتطرح أسئلة من جديد مفتوحة بأفق كل عمل وترجمة فحواه الملغز، يخيل للرائي بأن ثمة حكاية ما تندرج ضمن سياق الأعمال بشكل تصاعدي إلى حد تموجات السنين وفتنتها وتقلباتها بالمسرات والأوجاع إلى منفى الذات ووأد أحلامها وانتهاء بخريف العمر. تلك هي رحلة انسان استطاعت أنامل مشاعل بتعبيرية تجريدية إبرازها كصيرورة حياتية، لها نصيب في حياة كل منا بشكل أو بآخر.