«المُنافقون الجدد» يظهرون لك الحُب والتودد فيما لا تعلم ما يبطنون لك في دواخلهم، يؤكدون أنك على حق وأنت عكس ذلك، يتقربون منك منتفعين وليسوا ناصحين، كل ذلك لأجل كسب رضاك لا أكثر، أو لتحقيق مصلحة شخصية، ومن الممكن أن تراهم يسيرون في اتجاه حديثك مهما بلغت أخطاءك، حتى لو كان في ذلك الأمر ظلم للآخرين!. الغريب أن «المنافق» - من هذا النوع - يمتدح الخطأ والمنكر ويرفض الصحيح بلا سبب، إلاّ أنه تعوَّد على المسايرة الضارَّة، والعجز عن استخدام عقله بتقديم رأيه من دون تجريح، فالحاصل اليوم انتشار معيار المصلحة الشخصية من دون اعتبار للحق والعدل والصواب، وهذه ظاهرة سلبية ومحرمة ديناً وخُلقاً، وهو ما يقود إلى أن التربية المجتمعية والأسرية وطبيعة الطمع الشخصي والنفسي لدى البعض، هي ما يُفسّر النفاق من دون سبب، إلاّ الخوف الوهمي من نتائج وهمية!. ويرفض البعض سماع الحق أو التفاعل مع النقاش، زاعماً أنه على صواب، وكلما زادت حدة النقاش يوجس بكراهيتك له، وحقدك عليه، وهو ما يجعل الآخرين يجاملونه على أمل أن لا تُخدش العلاقة فيما بينهم وبين ذلك الشخص. «الرياض» تطرح موضوع «المُنافقين الجدد» وتناقشه، فكان هذا التحقيق. خدمة أو عون في البداية قال «عبدالمحسن الأحيدب»: إن بعض الأشخاص يضطرون إلى مجارات بعضهم بعضا لأهداف معينة، حتى لو كانت الأمور تسير باتجاه خاطئ، كل ذلك من أجل الحصول على خدمة أو عون أو مساعدة من الطرف الآخر. ووافقته الرأي «بدور السليمان» قائلةً: إن هناك من يجامل الآخرين، بل ولا يستطيع إبداء الرأي السديد والصحيح لهم، خاصةً عندما يكون على ارتباط تام معهم، مشيرةً إلى أنه عند الوقوف بموقف الضد ربما لا تتحقق المصلحة الشخصية!. وأوضح «عبدالله حمد» أن كلمات الطاعة والتلبية من دون حق هو ما يجعل كثيرا منهم يقف محتاراً ومذهولاً، مضيفاً: «حدث ذات يوم موقف عندما قدم شخص آخر وسمع من الطرفين، وكان على علاقة بالآخر المرتكب للخطأ، وأظهر الحق له، ولأن هذا الشخص له مصلحة طلب الاستشارة من الباقين، مما فاجأني أن البعض جامل المخطئ، وأنا كشخص خارج النطاق لم أستطع التدخل طالما لم يطلب رأيي؛ خوفاً من تفسيرها بشكل غير صحيح»، لافتاً إلى أن النفاق انتشر بشكل كبير في علاقاتنا الاجتماعية. يسايرون كلامك ويؤيدون مواقفك ويصادقون على أحكامك حتى لو كان في ذلك ظلم للآخرين إظهار الحق وذكرت «فاطمة أحمد» أن تلك المواقف غالباً ما تكون في مجتمع العمل، وفي وسط معمعة الزملاء، خاصةً تجاه الأشخاص ذوي السلطة على الآخرين، في حال وقوعهم في خطأ ما. وقالت «مي السهلي»: ما دعاني للهروب والفرار من مقر العمل هو نصرة بعض الزميلات للأُخريات، مضيفةً أنه عندما تذهب إلى الشخص الذي ربما يكون فيه إنصاف وخوف من الله تجده يعتذر عن ابداء رأيه، وفي هذه الحالة تدرك تماماً أنك على حق، مبينةً أن المكوث مع مجتمع كهذا قد يقود إلى التحلي بصفاتهم، الأمر الذي جعلها تغادر العمل!. وشدّد «محمد العبدالكريم» على ضرورة إظهار الحق مهما كان الشخص الآخر، مضيفاً: «غريزتي وأخلاقي تجعلني أظهر لهم الحق فيما حصل من دون تلميع أو مجاملة»، مشيراً إلى أن عدم الوقوف مع الحق وممارسة النفاق قد يترتب عليه ظلم الآخرين، مؤكداً أن إظهار الحق يريح الضمير مهما حدث من نزاع وقتي. إنصاف وتفاهم وقالت «هديل النافع»: إن هناك أشخاصاً في حال عدم إنصافهم قد يُفسرون ذلك بالكراهية لهم، لكن يجب علينا أن نوصل لهم خطأهم بطريقة سلسة يتقبلونها، حتى لا نخسرهم، ناصحةً بعدم وضع اللوم عليهم بشكل يجعلهم ينفرون من استجابة الحق، مع ضرورة تبيين الطرائق الصحيحة لحل ذلك الخطأ. وذكرت «حنين الهديب» أن هناك من يرفض سماع الحق لك أو التفاعل مع ذلك النقاش، زاعماً أنه على صواب، مضيفاً أنه كلما زاد حدة النقاش يوجس بكراهيتك له، وحقدك عليه، مشيراً إلى أن بعض الأشخاص يريدون أن يكونوا على صواب، ويرفضون مناقشتهم في أي أمر. تعلق بالأوهام وأوضح «د. محمد بن سليمان الوهيد» - رئيس قسم الدراسات الاجتماعية بجامعة الملك سعود - أن انتشار سلوك معين في المجتمع لاشك أن له أسبابه، مضيفاً أن ما يدفع إلى ذلك هو الخوف أو العجز عن الجهر بالحقيقة أمام من يخافهم أو يرجوهم؛ لضعف بناء الشخص النفسي، أو لتعلقه بالأوهام، لافتاً إلى أنه يوجد عناصر تمنع من الخروج على السلوك المقصود، مثل الطمع أو الحصول على المصلحة، ذاكراً أن المشكلة تكمن حين لا يكون هناك سبب حقيقي يدفع للنفاق، أو يمنع من الصراحة، ولكنها الأوهام الشخصية، فيصنع لنفسه مسوغاته، لكي يرتاح من قول الحقيقة، مسببا ذلك أنه لا يريد أن يلقي بنفسه في المتاعب، وأن نفاقه لن يغير من الواقع شيئاً، فما سيحدث سيحدث سواء قال رأيه الحقيقي أو لم يقله. امتداح الخطأ وأكد «د. الوهيد» أن المنافق الاجتماعي يمتدح الخطأ والمنكر ويرفض الصحيح بلا سبب، إلاّ أنه تعوَّد على المسايرة الضارَّة، والعجز عن استخدام عقله بتقديم رأيه من دون تجريح للآخرين، ومن دون نفاق وتضليل للناس، ذاكراً أن الشخص يمتنع عن إظهار الحق على صديقه أو زميله بالعمل؛ لأنه لم يتعود التفريق بين الصراحة والسب والشتم، مشدداً على أنه لا يجب إهانة الإنسان وإجباره على أن يتضرر، لكن لا يجب كذلك أن تصبح مصلحتنا هي فقط معيار الصواب والخطأ، وإلاّ أصبحنا منافقين ومخادعين، مضيفاً أنه انتشر اليوم بين الناس معيار المصلحة الشخصية من دون اعتبار للحق والعدل والصواب، وهذه ظاهرة سلبية ومحرمة ديناً وخلقاً، مبيناً أن المصلحة تقدر بقدرها، والمصلحة العامة قبل المصلحة الخاصة لدى كرام الناس والمؤمنون حقاً، أما المُجاملون فلا يُرجى منهم إلاّ أن يكونوا حسب طبعهم وحسب أخلاقهم، مشيراً إلى أن التربية المجتمعية والأسرية وطبيعة الطمع الشخصي والنفسي لدى البعض، هي ما تقود الانسان إلى النفاق من دون سبب يجبره عليه، إلاّ خوفه الوهمي من نتائج يتوهمها. د. محمد الوهيد