سبحان الله ، من يعمل في مثل تخصصي يعرف معرفة اليقين بأن لهذا الشهر الكريم ميزة عجيبة وتأثيراً قوياً على نفوس المرضى وسرعة شفائهم واسترداد عافيتهم ، وأنا أشبّهه بالجرعة المركزة التي تصيب الداء وتغني عن الدواء ، فالمسلم يتزود في هذا الشهر برحمات ونفحات من المولى عز وجل ، فترفع إيمانه ويقينه وثقته بنفسه وبمن حوله ، وبهذا الاقتراب من الله يخالط بشاشة قلبه التسليم بقضاء الله وتصريفه الحكيم لأمور الكون ، فيتخلى العبد عن ذلك الحرص والتشدد في المطالب كما يستغني عن القلق مما يخبىء المستقبل أو الحزن على مافات ، وفي هذا الشهر تفرح الأرواح المحبوسة في أجسادنا الترابية باتصالها بالسماء من حيث أتت ، بعد أن كادت أن تدنسها أوغال المادية وعبادة الجماد والتسابق على هذه الفانية حتى حسد الأخ أخاه وقتل ابن عمه وهجر من أجلها أمه وأباه !!... ولذلك فأنا أدعوكم للاستفادة من هذا العرض الكريم من الرب العظيم ، لتعالجوا أنفسكم وأمزجتكم ، ولتعادلوا تلك الانزيمات والهرمونات الداخلية ، والتي تؤثر سلباً على توازن العقل والجسد فتسبب أمراض العصر النفسية من اكتئاب وقلق وتوتر عصبي وصداعات توترية وسوداويات ورهاب اجتماعي ، أدعوكم للتزود من هذا الشهر بتلك الأسلحة الإيمانية من صلاة وقراءة قرآن وصدقة وإحسان وصلة للأرحام وعفو عن ما حدث وكان ، جرّب في هذا الشهر أن تتغافل عن الأخطاء التي تراها ممن حولك ، وجرّب ألا تمارس دور المربي والمؤدب لكل ماتراه أمامك من أخطاء البشر ، فالبشر مايزالون يخطئون ويعتدون ويتجاوزون ، وسوف يبح صوتك وتمرض نفسك ولن يستمع إليك أحد ، إلا ان استطعت أن تنصح بالحسنى وعلى انفراد ، أما إن قررت أن تبقي شباك السيارة مفتوحاً لتخرج منه رأسك كلما رأيت رعونة من السائقين أو تجاوزات فتصرخ بهم وتهز لهم بيدك متوعداً ومهدداً ، فصدقني ستموت كمدًا والناس هم الناس !!... جرب في هذا الشهر أن تعيش التوكل على الله بكل حواسك وجوارحك ونفسك ، تذكر عندما كنت جنيناً لا حول لك ولا قوة ، من حماك هناك ومن أطعمك وأسقاك وأنشأك ورباك ، أفتظن ان من رعاك وأنت ضعيف القوى سوف يتركك الآن دون رعاية أو حماية أو توفيق ، لماذا هذا هو ظننا بربنا ، وهل حلّت علينا أمراض النفوس واضطراب الشخصيات وتردد العقول إلا بسبب انعدام الاتكال على الله وتسليم هموم المستقبل لله الذي لا يضيّع أحداً ، وهل استطاع الشيطان أن يخوفنا ويبث الرعب في قلوبنا من عاديات الزمان وغوائل المستقبل إلا بسبب ضعف ثقتنا في الله ، لذلك أدعو الجميع في الشهر الكريم إلى استرجاع ذلك التوكل على الحي الذي لا يموت ، وإلى تقوية تلك الثقة بالله العظيم ، وعلى دروب الخير نلتقي ، وكل رمضان وأنتم بخير ...