ماليزيا من الدول التي تبني مؤسساتها وبالطبع أفرادها من خلال خطط تنموية شاملة وتستمد قيم هذا البناء من حضارة الإ«سلام وقيم الإسلام القابلة للتطبيق لكل مجتمع مهما تنوعت مذهبيته.. ما طرحه مؤخراً رئيس وزراء ماليزيا داتو سري عبدالله أحمد بدوي وكتب عنه الدكتور محمد شريف بشير عن مشروع (الإسلام الحضاري) لنهضة الأمة على هدى تعاليم الإسلام وذلك من أجل استعادة دورة الحضارة الإسلامية.. ويقصد ب (الإسلام الحضاري) المنهج الحضاري الشامل لتجديد قيم الإسلام وتطبيقه في ماليزيا ولاستخدامه محركاً للأمة نحو التقدم والتطور والريادة الإنسانية.. وكما يعرفه هو شخصياً بأن هذا المشروع هو (جهد من أجل عودة الأمة إلى منابعها الأصيلة وإعطاء الأولوية للقيم والمعاني الإسلامية الفاضلة لكي تواجه الحياة وترشدها).. وما هو مهم في هذا المشروع الذي ستقوم بتنفيذه دولة ماليزيا السباقة دائماً لتأصيل قيم الإسلام في نهضتها وإعلاء هذه القيم سواء فيما يخص تنمية الفرد والأسرة والمجتمع أنها لا تنطلق من تطبيق نموذج التحديث الغربي كما يجيء في نظريات التحديث والتنمية التي لا ترى نجاحاً في أي مشروع تنموي لأي مجتمع في العالم إلا من خلال معايير نماذجها التحديثية أو أن هذا المجتمع يعتبر متخلفاً أو قابلاً لأن يكون في بؤرة الصراع العالمي كما يقول هنتنتجون في وصاياه لعالمه الغربي. ٭٭ أما مشروع الإسلام الحضاري كما تقدمه ماليزيا فيهدف إلى تقديم أو بالأحرى تفعيل الإسلام ديناً بمنظوره الحضاري يشمل كافة جوانب الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ويلبي متطلبات الروح والبدن والعقل، ويعالج قضايا الفرد والجماعة والدولةو كما يعرض هذا المشروع منهجاً شاملاً ومتكاملاً للعمل بتطبيق الإسلام على نحو يميزه عن مناهج الدعوة والعمل الإسلامي - كما يقول - كالصوفية والحركات الإسلامية السياسية فضلاً عن جماعات العنف والتكفير. وفي رأيي الخاص حول هذا التعريف أن ما مر بالعالم الإسلامي وبالحركات الإسلامية لم يكن سيأخذ هذا المسار من العنف والتكفير إلا لأن المناخ المتاح لم يكن يسمح بتطبيق منهج الجماعات الهادفة للإصلاح الحقيقي وليس الجماعات المخترقة أو المحاربة.. فلا يمكن الحكم على نتائج أو مشروعية أي حركة تهدف للإصلاح الحقيقي الشامل الذي يبدأ من الفرد إلا إذا كانت القنوات المتاحة لها معروفة.. ٭٭ وعودة إلى مشروع رئيس وزراء ماليزيا عبدالله بدوي نجد أن مبادئ هذا المشروع كما طرحت هي كالآتي: 1) الإيمان بالله وتحقيق التقوى.. وهنا نجد الارتباط القوي بين (الإيمان بالله) سبحانه وتعالى وهو بالطبع العامل الأساس في الاستخلاف وعمارة الحياة وبين (التقوى) فالتقوى ركيزة أساسية في نجاح كل عمل يقوم به هذا الفرد المستخلف.. فتنقية المعتقد وتزكية الروح وتصحيح العبادة مبادئ إيمانية ولكن ارتباط هذه المبادئ بسلوك الإنسان وعمل الجوارح هو المنتوج الفعلي لمعاني إيمانه بالله.. ٭٭ وما حدث في واقعنا من لجوءٍ إلى أحد هذين الطرفين هو الذي أبقانا في (دائرة الوهن).. هذا ما أراه شخصياً وما أثق أن تطبيق هذا المبدأ عملياً هو الخروج من واقعنا الحالي ودائرة الوهن التي نستظل بحدودها!! 2) (الحكومة العادلة الأمينة - هي المبدأ الثاني في مشروع الإسلام الحضاري.. أي الحكومة التي جاءت عن طريق الشورى والاختيار الحر دون قهر أو إكراه وتعمل على بسط العدل ونصرة المظلومين وردع الظالمين، وترد الحقوق إلى أهلها وترعى مصالح الأفراد على اختلاف أعراقهم ومعتقداتهم كما تقوم على قضاء حوائجهم بأمانة وتجرد وإخلاص..) ٭٭ هذا المبدأ الذي سيكون تفعيله واقعاً عبر مؤسسات وأجهزة الدولة لن يتم في يوم وليلة.. ذلك، أن تحقيقه يتطلب إعادة بناء هذا الإنسان وفق صيغة بناء الفرد المسلم في كل مرحلة من مراحل حياته ودوائره.. 3) حرية واستقلال الشعب.. ذلك أن الحرية هي القيمة الكبرى في الحياة الإنسانية وهي الحافز للعمل والإبداع وبها يكون الإنسان مستقلاً وحراً في قراراته وقد خلع عن رقبته طوق العبودية والتبعية. 4) التمكن من العلوم والمعارف.. فالعلم هو المرتكز الأساس لنهضة الأمة والوسيلة التي يستعان بها على عمارة الأرض وتسخير ما فيها وترقية الحياة والانتفاع بالطيبات من الرزق.. 5) التنمية الاقتصادية الشاملة والمتوازنة أي تلك التنمية الشاملة بكل أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والروحية والمادية والثقافية والحضارية التي تجعل صلاح الإنسان غاية وهدفاً لها. ٭٭ وما تحقق لماليزيا من نهضة شاملة إلا بسبب تطبيقها مقومات نجاح خطط التنمية لديها.. وهي بهذا تضرب نموذجاً ومثالاً حياً لما تنادي به (يتبع)