بعد مباراة في تنس الطاولة بين فريقين أمريكي - وصيني، أعقبهما وزير الخارجية الأمريكية آنذاك كيسنجر بزيارة في السبعينات من القرن الماضي، كفاتحة جديدة في إقامة صداقة جديدة بين الخصمين اللدودين، أعقبها زيارة للرئيس نيكسون، لكن ما كان مثيراً بالزيارة، والمقابلة التي جرت بين الزعيم «ماوتسي تونج» وكيسنجر عندما بادره كيسنجر أن أمريكا تملك أسلحة نووية، تستطيع تقليب التربة للكرة الأرضية ثلاث عشرة مرة!! رد ماو: - ولكن سيبقى أربعة ملايين صيني سوف يعيدون الحياة البشرية لهذا الكوكب، ولن تكون أمريكا في مأمن من سلاحها، القاتل.. رد كيسنجر: - نحن بنينا في أعماق الأرض ما لا يعرضنا للإبادة، وفي هذه الحال قد نكون وحدنا من يسكن الكوكب، وهو سر مهمتنا وسلاحنا!.. علق ماو: - يبدو أنك تجهل المقولة الصينية القديمة «إجلس على حافة هذا النهر وسيمر العالم من أمامك» وأنتم جزء ممن سنراهم على حافة هذا النهر!.. (ماو) فيلسوف منظر لطبقة الفلاحين التي تناقض طبقة «البروليتاريا» (العمال) المعدمين في الفلسفة الماركسية، وهو الخلاف الذي فرق السوفييت عن الصين، أما كيسنجر، فسياسي (براغماتي) له نظريات في إدارة العالم السياسي، وفق القوة المتفوقة، والدبلوماسية الضاغطة والخشنة مع الخصوم، غير أنه وجد في ماو كبرياء الصين، وعقل المنظر، ومع ذلك جاءت إيجابيات تلك الزيارة، بأن أدركت أمريكا، وبواقعية، أن عملاقاً بدأ باليقظة ولا بد من التعامل معه، بدلاً من عزله، أو عدائه، وبالفعل فإن الوريث الاصلاحي الكبير «دينج هيساو بنج» الذي تولى السلطة بعد ماو، هو من فجر العبقرية الصينية الحالية، والتي دخلت عالم المنافسة مع أمريكا كقوة منفردة في العالم لتقصي اليابان وألمانيا عن المركز الثاني في الاقتصاد، وقد تحتل خلال عدة عقود المركز الأول، وقد تحير العالم كيف أن شعباً بهذا الحجم استطاع أن يكون طاقة إنتاج هائلة ، ويتغلب على المجاعات والتفكك، ويصعد بسرعة مهولة بانجازات غير مسبوقة في التاريخ البشري، وحتى السلاح الذي ظل احتكاراً أمريكياً، وأوروبياً، وروسياً، بدأت الصين تأخذ موقعها في تأسيس قوتها، وهذه المرة بصمت، وحتى الفضاء، استقلت بأبحاثها ومحطاتها السابحة خارج مداراتنا، وكذلك التقنيات العصرية المتقدمة.. الوطن العربي الذي ظل منقسماً بين قوتي الغرب، والسوفييت، ثم روسيا لاحقاً عليه أن يدقق ويفهم تبدل المعادلات الدولية، وأن الاتجاه شرقاً لا تفرضه الضرورات الراهنة، وإنما فرضيات المستقبل البعيد، وأن آسيا التي لطالما ظلت بعيداً عن المؤثرات السياسية والاقتصادية والعسكرية، أصبحت تغير الدورة الفلكية العالمية بإيجاد قوى سوف تكون مؤثرة وفاعلة في تقاسم النفوذ، إن لم تكن المحتكر للقوة، وبالتالي، فإن التخطيط لعلاقة شراكة مع الدول القادمة في هذه القارة، تمليه الضرورات قبل أي شيء آخر..