رحل الأمير نايف بن عبدالعزيز رحمه الله في هدوء كما هدوئه.. وكما أناته،.. فقد كان من الرجال الذين تغلب عليهم الأناة والحكمة، والرزانة في كل شيء.. كان يعالج الأمور في صبر وعمق.. لم يكن انفعالياً، ولا صاخباً ولا مستعجلاً.. فإذا احتدمت الأمور.. وضاقت حلقاتها، وتعقدت خيوطها، رأيته يتنفس لها، يدعها كأنها غير موجودة ثم يأخذ بأطرافها خيطاً خيطاً، حتى يتمكن من حل عقدها... ولا شك أن وجود رجل بهذه الكفاءة والمقدرة، من أهم متطلبات، مرحلة مليئة، بالاضطراب، والصراع، والقلق، فالمنطقة كانت تهتزّ تحت وقع، ووجع ضربات متتالية، ومختلفة في عنفها وشراستها، وكان من المتوقع أن تحدث تلك الضربات كثيراً من الخلخلة، والاهتزاز ليس في البناء الجغرافي والسياسي والاقتصادي فحسب، وإنما في الجانب الأمني.. حيث أفرزت تلك الأحداث كثيراً من عناصر الإقلاق، والتوتر، والازعاج الأمني.. ومثل هذه العناصر، لا تملك سوى الهدم والتحطيم، وإشعال نار الفتنة والذعر.. ومن ثم فإن السيطرة عليها، وإخمادها مسألة وطنية ومصيرية.. من هذه الرؤية كان الأمير نايف - رحمه الله - يعالج الأمور بالحكمة والحنكة وبالصلابة، والصرامة حين تكون هي الحل الأمثل. وهنا برزت شخصيته كضابط إيقاع أمني فريد.. لذا فقد جاء نبأ رحيله مفزعاً لكثير ممن يقدرون الأمور، ويزنونها بميزان العقل، والحكمة.. غير أنه بالقدر الذي آلم الناس، وفجعهم رحيله - رحمه الله - إلا أنهم يدركون أن السفينة ليست وحدها في مهب الريح.. فهناك من يتولى دفع دفتها في أمان والثقة من الربابنة أنفسهم، فالمدرسة واحدة، والمنهج واحد، وفلسفة الحكم واحدة، فسلمان بن عبدالعزيز هو ابن المدرسة نفسها. وإذا كانت كل شخصية لها فرادتها، وسماتها التي تنطبع وتتفرد بها، فإن شخصية الأمير سلمان تعتبر من الشخصيات النادرة، التي تجمع بين ثقافة السياسة، وثقافة المجتمع، وثقافة المعرفة، والثقافة الخاصة بالمنطقة والوطن. .. فالأمير سلمان نشأ على ممارسة الحكم منذ صباه، فعركته تجاربه.. وعرف مداخله، ومخارجه، وخاض غماره.. وهو إلى جانب ذلك صاحب حافظة وذاكرة قوية، يعرف بفراسته الناس من وجوههم.. كما أنه ملم بتاريخ المملكة إلمام العالم المتمكن. ملم بجغرافيتها، وآثارها، وتاريخ حضارتها.. وهو فوق ذلك قارئ من الطراز الأول، متابع لما يدور في الداخل والخارج تسعفه هذه الذاكرة القوية، والحدس الفطري، والتجربة الطويلة في إدارة الحكم وفنونه.. إذاً نحن أمام رجل يتسلم ولاية العهد بعد أن أنضجته الأيام.. وحنكته التجارب، خبرة، ودراية، ومعرفة.. وهذا ما جعلنا - رغم الفاجعة في الأمير نايف - نرى الأمور تنتقل وتسير بسهولة، وسلاسة ويسر.. ومن ثم فإن أبناء الوطن كله، ينظرون بثقة ويتطلعون بيقين.. إلى مستقبل زاهر زاخر بالعطاء، والأمن والاستقرار بحول الله وعونه.