يكاد يجمع شعب المملكة العربية السعودية على أن الأمير نايف بن عبد العزيز -طيب الله ثراه- رجل الحكمة والحلم، فهو لا يبرم عملا قط سواء كان ذلك العمل سياسيا أو أدبياً إلاّ ويأخذه بالروية، ويستقصيه بالحكمة، ويدرسه بالأناة، يأخذ فيه وقته، ويستوثق من أصحاب الشأن وأهل المعرفة ممن تطمئن لهم الأنفس وترتاح لهم الضمائر، أما في أعمال الخير، فهو أسرع من البرق، وأقرب من الظل، وأندى من السحاب العذق. كان رحمه الله صمام أمن محلي وإقليمي وعالمي، يتوقع الوقائع بحسه وتجربته حتى وإن لم تكن المعطيات أمامه ظاهرة، والشواهد لديه حاضرة. ففي غالب الأمر يدرك الغاية، ويصل إلى الجراية، ويصيب عين الحقيقة. وكان عمله الأمني إرشادياً في غالبه، وليس فيه مظاهر مما نشاهدها هنا وهناك في دول أخرى، وإذا استدعى الأمر فإنه يكون للإصلاح والتأديب، وليس للتجني والتعذيب، ولا يتجاوز ذلك صاحب الشأن، إلى سواه من أهله وذويه، وأصدقائه ومعاونيه، وهذه غاية الإنصاف، وفوق ذلك فإن أهل أولئك تشملهم الرعاية، وكأنه تأديب والد لبنيه، وكلنا يعلم أنه تولى الأمر والمملكة والمنطقة تمر بخطوب كثيرة، وعظائم كبيرة، فكان يعالجها بحكمة ويتناولها بهدوء وروية، ويسلك أيسر السبل وإن طالت، وأجودها وإن كثرت التكلفة في سبيل نشر الأمن والأمان، وتجنيب المجتمع السعودي والعالمي غوائل الزمان، وحرص على أن يبني كوادر بشرية ذات كفاءة عالية، قادرة على القيام بمهمتها على الوجه الذي يحقق المأمول. رأس الراحل اللجنة العليا للحج سنين، وكان له حافظا أمين، يراقب عن كثب، ويتابع دون كلل أو تعب، ولنا أن نتصور تلك القوافل من الحجيج الذين يتنقلون في فترات قصيرة محددة بين أماكن معينة، وهم في حاجة إلى المأكل، والمشرب، والمأوى المؤقت، وفوق ذلك كله الأمن، وهم جموع من أقطار مختلفة، ومشارب متنوعة، وثقافات متباينة، ومع هذا فقد سير رحمه الله تلك الأمور سنين طويلة، يسهر على راحة الحجيج، ويحرص على أن يعودوا سالمين غانمين. كان راعيا لعدد من المؤسسات الخيرية الداخلية والخارجية، يبذل بسخاء في سبيل رفع العناء عن المحتاجين، يشاطرهم همومهم، ويساعد في سد ضائقتهم، ويزيل عنهم نوائب الدهر ما استطاع، لا يرجو في ذلك سمعة ولا رياء، وإنما راجيا به وجه الله سبحانه وتعالى. كما ساهم مساهمة فعالة في الدفع بالنشاط العلمي من خلال الأكاديميات المحلية والخارجية وغيرها، وتوفير البنية الحقيقية القادرة على تربية جيل يحمل مشعل العلم والتقدم. كان بطبعه حكيما حليما ينصت إلى المتحدث معه، ويتفهم أمره ثم يحقق مطلبه ما أمكن ذلك، وكان ينزل الناس منازلهم، ويتحدث معهم بما يعرفه عن آبائهم وأجدادهم ويمنحهم الوقت الكافي للشرح والتعليق على ما يقول، وهو قليل الغضب واسع الصدر، مطمئن البال، لديه فراسة موروثة أعانته على الكثير من الأمور، وفيه سماحة فائقة ولطف جم واحترام للصغير والكبير. وأقول لقد أذهل الشعب السعودي فجأة الخطب، ورماهم ساعد الزمان، فهو مصاب وأسى، لكن ذلك أمر الله فينا، وحكمه علينا، يملكنا خير المالكين، ويحكم فينا أعدل الحاكمين، وإننا بالصبر لخليقين، ولأمر الله راضين ومحققين. قال الشاعر: الدهر يومان ذا أمن وذا خطر والعيش عيشان ذا صفو وذا كدر وحسبي به رحمه الله أن ينطبق عليه قول الشاعر حيث يقول: إن لله عبادا فطنا تركوا الدنيا وخافوا الفتنا نظروا فيها فلما علموا إنها ليست لحي وطنا جعلوها لجة واتخذوا صالح الأعمال فيها سفنا رحم الله نايف بن عبد العزيز وألهمنا وذويه الصبر والسلوان وأسكنه فسيح الجنان، وأغدق عليه الرحمة والغفران، وجعل ما فعله من خير في دنياه زادا له يوم لقياه، وتقبل الله دعاء محبيه، إنه على كل شيء قدير.