يتباهى المصريون بالديموقراطية التي بلغت أوجها في عملية الاقتراع على الرئيس القادم لمصر. وحق لهم التباهي، فبرغم أن تونس سبقتهم إلى ذلك إلا أن ثقل مصر الإقليمي والعالمي يجعل منها حالة خاصة، إذ يمكن أن يمتد تأثيرها لما هو أبعد من مصر. شاهدتم ماحدث في انتخابات مصر، ولكن ماهو الذي لم يحدث في تلك الانتخابات؟!بمعنى آخر من وما الذي غاب عن انتخابات مصر؟ الغائب الأكبر هو حسني مبارك! فقد كان بإمكانه أن يصنع التاريخ ويكون هو مهندس الديموقراطية، ولكنه أبى وفوّت على نفسه فرصة أن يدخل التاريخ من أوسع أبوابه وأن يكون هو أبا مصر الحديثة وباني حضارتها. أوهمه من حوله بخطورة الحرية والديموقراطية وهم بذلك يحمون مصالحهم الخاصة فصدقهم. لم يلج التاريخ من باب الأبطال وصناع الأمم، في المقابل دمر ماضي تاريخه الشخصي برغم الصفحات المشرقة في ذلك التاريخ. الغائب الآخر هو الضياع والفوضى الذي راهن عليهما مبارك ومن دار في فلكه من مؤيدين وإعلام مصري. الضياع إن هو تنحى، الضياع إن جاء غيره للسلطة. بل لقد قالها صريحة إما أنا أو الفوضى والضياع. نعم كان هناك خلل أمني، وكان هناك اختلال اقتصادي أعقب سقوط مبارك، ولكنه ثمن الديموقراطية والحرية. أما المستقبل فمرهون بأداء الحكومة القادمة، وليس هناك حل سحري بل هناك تقييم أداء. غائب آخر وهو التحذير الإسلامي الذي حذرت منه وسائل الإعلام، ويبدو أن وعي الناس تطور فتقاسم المرشحان الأصوات مناصفة تقريباً. الحق يُقال ان أداء الإسلاميين -باستثناء التوجهات المتطرفة- كان على مستوى المسؤولية من ناحية احترام صوت الناخب والرضا بما تفرزه صناديق الاقتراع. وسيكون ذات التيار من خلال رئاسة الحكومة القادمة كذلك هو من سيثبت صدق أو بطلان شعارهم "الإسلام هو الحل"، بل ربما قدم أنموذجاً مشرفاً للحكم ولتسامح الإسلام، وقد لمسنا ذلك في خطاب الرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسي. غائب غير مستنكر غيابه هو استمرار غياب مصداقية بعض وسائل الإعلام العربية والمصرية التي تدعي التجرد والحياد. بعض القنوات تنحاز لتيارٍ بعينه وأخرى تتحامل على ذات التيار وتستخدم أسلوب "Subliminal effect" من خلال التأثير على اللاشعور ليتبنى المتلقي وجهة نظرهم من دون أن ينطقوا بها. لا يهم من فاز! لأن النظام الديموقراطي يتحيح للناس تعديل اختياراتهم في المرات القادمة، والرئيس المنتخب يعلم أن أهم عوامل استمراره هو في ما يقدم للوطن والمواطنين، وليس من خلال قوات الأمن، ولا أبواق النفاق ولا التطبيل الإعلامي. هنيئاً لمصر ديموقراطيتها التي تُعتبر أهم حدث بعد الاستقلال وثورة يناير. بل هي ثمرة الثورة الحقيقية.