كلما رُزئ الشعب السعودي بوفاة عظيم من عظماء أسرته الحاكمة وجد عزاءه فيمن يخلفه من تلك الأسرة في حمل الراية، ومواصلة المسيرة من النقطة التي انتهى إليها سلفه، وتلك والله من النعم التي أنعم الله بها على هذه البلاد التي ما أن يموت فيها سيد حتى يقوم سيد مكانه، أو كما يقول الشاعر: إذا ماتَ منا سيَّدٌ قام سَيِّدٌ قؤولٌ لما قَالَ الكِرَامُ فَعُوْلُ وهذا ما أتمثله ويتمثله الملايين من أفراد الشعب السعودي العظيم من تعيين صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز خلفاً لشقيقه الأمير نايف بن عبد العزيز - رحمه الله - ولياً للعهد نائباً لرئيس مجلس الوزراء إلى جانب عمله وزيراً للدفاع، وهو اختيار موفق بإذن الله تعالى من لدن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله. ذلك أن الأمير سلمان أهل لما أهّل له، فهو من الرجال الأفذاذ، ومن حكماء آل سعود المعتبرين، تولى مسؤولية إمارة منطقة الرياض منذ نعومة أظفاره، وهي - حينذاك - لا تعدو كونها قرية أو مدينة صغيرة، فنهض بها نهوضاً غير مسبوق، وارتقت في عهده وتطورت وتوسعت بفضل الله ثم بفضل إدارته الحكيمة حتى غدت من أكبر المدن في العالم، ومن أكثرها اتساعاً وأزهاها عمرانا، وأفضلها تنظيماً ونظافة، وأسرعها تطوراً وتقدماً ورقيّاً مع المحافظة على التراث التقليدي لوسط المدينة، والمواءمة فيه بين الأصالة والمعاصرة. ولم تقتصر مهام الأمير سلمان في إمارته الرياض على تسيير دفة الإمارة، بل كانت مهامه أبعد من ذلك بكثير، فقد كان - حفظه الله - قريباً من القرار السياسي والإداري والدبلوماسي بوصفه محل ثقة إخوته من الملوك الذين عاصرهم، ومن المشاركين في صنع القرار على أعلى المستويات. وقد مثل سموه المملكة خير تمثيل في كثير من المحافل الدولية، ونقل أفضل الصور المشرفة لبلاده إلى كثير من البلدان الخارجية التي زارها والتي احتفي بسموه فيها أيما احتفاء، ومُنح فيها أرقى الأوسمة وشهادات الدكتوراه الفخرية من أرقى جامعاتها. وللأمير سلمان أياد بيضاء في العمل الخيري على مستوى المملكة وخارجها، فهو من المتبرعين الأسخياء لمختلف أوجه البر، ومسؤول عن عدد من الجمعيات الخيرية، والمؤسسات الوقفية والإسكان الخيري، فضلاً عن المركز المنسوب إليه مركز الأمير سلمان الاجتماعي بالرياض، وهو قريب من مختلف مكونات المجتمع السعودي، وبيته مفتوح للجميع كل يوم اثنين، ثم بعد ذلك كل يوم أحد، وكذا ديوانه في الإمارة يلتقي بالناس، ويسأل عنهم، وعن أحوالهم، وديارهم، وعن القبائل التي ينتمون لها، ويناقشهم مناقشة العارف بأصولهم وتاريخهم ومختلف أحوالهم. أما الثقافة والمثقفون فلهم عند سمو الأمير سلمان مكانة خاصة، إذ قلَ أن تجد صحافياً أو شاعراً أو كاتباً أو مؤرخاً سعودياً أو غير سعودي إلا وقد التقى الأمير سلمان، وله معه حديث شيق وتجربة خاصة، وهو عاشق للتاريخ عشقاً استمده من مدرسة الملك عبدالعزيز - رحمه الله - ومن قراءاته في مضان التاريخ منذ صغره حتى اليوم، وله في ذلك تعليقات وتصويبات واستدراكات على كثير من الكتابات التاريخية، ولا سيما المتعلق منها بتاريخ المملكة العربية السعودية الذي يقف سموه على رأس خبرائه والعالمين به، وبلغ من عشقه التاريخ، وحبه المؤرخين أن أعطى من وقته شيئاً كثيرا لدارة الملك عبدالعزيز التي يرأس مجلس إدارتها منذ مدة طويلة، وينهض بها وبرسالتها وباتساع مهامها وبمراكزها التاريخية الأخرى خارج الرياض نهوضاً يحفظه له التاريخ، ويسجله له بحروف من ذهب. وينسب لسموه في باب حبه التاريخ وخدمته طلابه عدد من الكراسي البحثية في مختلف الجامعات السعودية، وأيضا جائزة ومنحة سمو الأمير سلمان لدراسات تاريخ الجزيرة العربية، وهي تعد من المنح والجوائز المهمة التي خدمت التاريخ والبحث التاريخي، ليس في المملكة العربية السعودية وحسب، وإنما على مستوى المعرفة الإنسانية بتاريخ جزيرة العرب وحضارتها وتراثها. وما من شك أن اختبار سمو الأمير سلمان في منصبَيْه الجديدين يعدّ اختياراً موفقاً يشكر عليه ولي الأمر، ويثاب عليه إن شاء الله، نسأل الله سبحانه وتعالى العون والتوفيق والسداد لأولياء أمر هذه البلاد، وأن يوفقهم إلى ما فيه خيرها وخير شعبها وأمنه وطمأنينته. * عضو مجلس الشورى