لم يمضِ وقت طويل على وفاة سيدي صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز - رحمه الله - حتى فُجعنا بوفاة سيدي صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز آل سعود، جعله الله وإخوانه ووالدهم في جنة الخلد وجميع موتى المسلمين، إنه ولي ذلك والقادر عليه. والوطن إذ يودع ولي عهده، فلن ينسى ما قدّمه كقائد ملهم، وزعيم كبير، ولن ينسى ما له من خصال عُرف بها منذ صغره، حيث كان تلميذاً نجيباً في مدرسة الملك المؤسس - طيّب الله ثراه -، تمتع بالتقوى وعُرف بالاستقامة، ونشأ نشأة إسلامية، أثّرت فيه، فخدم السنة من خلال جائزته السنوية لحفظ الحديث الشريف، واحتفى بحفظة كتاب الله، وناصر الدين، وعاضد العقيدة، وفي نفس الوقت حارب التطرف في جانبيه الديني والتغريبي، لإيمانه - رحمه الله - بالوسطية. وبقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره أتقدم بخالص العزاء وصادق المواساة لسيدي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله - وللأسرة المالكة الكريمة والشعب السعودي والأمتين العربية والإسلامية في وفاة فقيد الامة. لقد كان فقيد الامة رحمة الله عليه رجلاً محنكاً وشخصية قيادية مخلصة لها سجل حافل بالإنجازات على المستويين المحلي والعالمي، ذا فهم عميق ورؤية واعية، يحب الحوار والتشاور، يسعى لتحقيق المصلحة العامة محباً لشعبه وخدمتهم، يتحلى بالقدرة على اتخاذ القرار الحكيم. والمتأمل في مسيرة سمو الأمير نايف بن عبدالعزيز - رحمه الله - وما بذله من وقت وجهد وفكر للنهوض بهذا الوطن في ظل الظروف العصيبة التي مرت بها المنطقة يعرف جيداً مكانة هذا الرجل؛ فقد أثبت - رحمه الله - عبر رحلة طويلة حبه للوطن والمواطن، وأولى سموه اهتماماً بالملفات الأمنية والعمل على تطويرها، ومعالجة القضايا. وكان - رحمه الله - حريصاً على خدمة حجاج ضيوف بيت الله الحرام والوقوف على راحتهم من خلال ترؤسه اللجنة العليا للحج، ولا نملك الآن إلا الدعاء له بالغفران، وأن يتغمده الله بواسع رحمته وفسيح جناته. هكذا هي سُنّة الله في خلقه، يموت قائد، ويأتي قائد، وقطار الحياة يسير بتوفيق الله ورعايته. ومن نعم الله علينا في هذا الوطن أننا نُفجع بموت مَنْ نُحبه، ولكن الله يعوّضنا خيراً فيمن فقدنا. وإننا على فراقك يا نايف لمحزونون". لكن عزاءنا بعد رحيله أن مَنْ تحمّل المسؤولية بعده، ومن وضع خادم الحرمين الشريفين - يحفظه الله - ثقته بهما هما (سلمان الخير والإخلاص، وأحمد الشهم الأبي)، هما من شاركا الفقيد مسؤولياته، وسيواصلان المسيرة - بإذن الله تعالى - بما رسمه الفقيد من خطط. وقد أكد قرار الملك القائد، بتعيين الأمير سلمان بن عبدالعزيز وليا للعهد، والأمير أحمد بن عبدالعزيز وزيراً للداخلية، أن مملكتنا الغالية تستطيع أن تسد الفراغ بسهولة. كما أكد أيضاً أن مسيرتنا ستظل شامخة بأبنائها ورجالها. إننا نفخر بهذه الشجرة المباركة من آل سعود، ونحمد الله أن مَنّ على هذا الوطن بقيادته الحكيمة، ولا نشك مطلقاً في مقدرتهم في سد الفراغ عندما يموت قائد منهم؛ فكلهم أمناء على هذا الوطن ومن يعيش على ثراه؛ فتهنئة لكل الشعب السعودي بالأميرين سلمان وأحمد على الثقة الملكية الغالية، ونسأل المولى - جلّت قدرته - أن يعينهما على مواصلة ما رسمه لهما مَنْ سبقهما في هذه المسؤولية. وفّق الله خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز لكل خير، وأعانه وإخوانه على قيادة الأمة، وسدّد خطاهم على دروب الخير والعطاء، وحفظ الله لهذا الوطن أمنه واستقراره ورخاءه.