إن الأمن في الأوطان هو الخيار الأول للإنسان، لأن على أساسه يحيى الإنسان ويعيش ويعمّر الأرض وتقوم العلاقات الاجتماعية المتوازنة ويكون للتنمية والاستقرار والتعليم وغير ذلك. لعل الأمن الوطني حكاية تكون مدخلاً لقراءة ومقاربة سوسيولوجية في شخصية الأمير نايف بن عبدالعزيز - رحمه الله - كهامة وطنية شامخة سطرت ملاحم وطنية يذكرها التاريخ ويشكرها ويدعو لها وتكون علامة فارقة في التاريخ والتراث الوطني السعودي، نعمنا بالأمن والأمان وشعرنا بوحدة الوطن واستقراره خلال مسيرته العملية منذ أول مهمة استلمها في الدولة، هذه الشخصية تحتاج إلى تأبين من نوع خاص، وهي قراءة سوسيولوجية لشخصيته الفذة. أولاً- الشخصية الكاريزمية: يعد الأمير نايف من القيادات الكاريزمية، والشخصية الكاريزمية تمتلك من القدرات والمواهب الخاصة التي تدير بها شؤون البلاد والعباد، في جانبها الإنساني، والطبيعي، والعملي، والتأثير وغيرها، وهذه خصائص متحققة في شخصية سموه، وذلك من خلال مجموعة المواقف والظروف المحلية والدولية والقرارات والإصلاحات والأعمال والتوجيهات التي مارسها ومرّ بها، ومن خلال تكوينه الشخصي في ذاته وتعليمه وحكمته وقدرته على تحمل المسؤولية منذ الصغر وقيادته لمؤسسة عامة كبيرة في حجمها ومهمة في عملها، ومن خلال سيرته العملية التي كان لها أثر بالغ في اختياره ليساعد في قيادة المجتمع السعودي في ظروف تحتاج إلى قيادته وشخصيته، وبذلك استحق الأمير نايف - رحمه الله - الحب والولاء من مواطنيه، والاحترام والتقدير من الأعداء، والود والإكبار من الأصدقاء، وذلك لمقوماته الشخصية ومواقفه النبيلة. هذه الشخصية التي تميز بها سموه متوازنة في بنائها الشخصي وفي قدرتها وفي توجهاتها وفي رؤيتها الاستراتيجيه، عملت على استقطاب أفراد المجتمع لها دون استثناء. ثانياً- من مدرسة الملك عبدالعزيز: حرص أبناء الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - على تعلم فنون القيادة، من خلال تقمصهم لشخصيته الفذة وقيادته الحكيمة وإدارته لأمور المجتمع بالرفق واللين والحزم، من خلال الالتزام الكامل بالدين الإسلامي طريقاً ومنهجاً، هذه سياسة الملك عبدالعزيز ومدرسته ومنهجه في إدارة الدولة والمجتمع وكذلك كيفية بناء العلاقات مع الآخر. وقد كان معروفاً بالعطف والإحسان والإنسانية في أقواله وأفعاله، وتقمص سمو الأمير نايف - رحمه الله - هذا الجانب الإنساني من شخصية والده من خلال المشاهدة والمعايشة، كما كان أول المستفيدين من التكوين الشخصي لشخصية الملك عبدالعزيز؛ أبناءه الميامين الذين حملوا الراية من بعده وساروا على خطاه ووفق توجيهاته، بل إن مجموع الأفراد في المجتمع السعودي يرون الملك عبدالعزيز في أبنائه ومسيرتهم. واكتسب سمو الأمير نايف قوته وقدرته وشخصيته في جوانبها، ورؤيته نحو العمل العام ونحو إدارة الدولة والمجتمع، وقد ظهر جلياً في الكثير من أفعاله وتصرفاته وتوجهاته في جميع المجالات وبذلك اكتسب الحب والتقدير والقرب الشديد من مواطنيه وسهولة التعامل معه لوجود الجانب الإنساني الكبير. ثالثاً- خلاصة التاريخ السعودي: من المكونات الرئيسة لشخصية سمو الأمير نايف بن عبدالعزيز - رحمه الله -، استيعابه للتاريخ السعودي بمحتواه الاجتماعي والثقافي، فالمجتمع السعودي يحتوي على العديد من الخصائص الاجتماعية والثقافية والعاطفية والقيمية والسلوكية التي لا يعرفها الكثير ممن يكتب عن المجتمع السعودي سواء كانوا من أبنائه أو ممن كتب عن المجتمع السعودي من خارجه، فالتاريخ بشقيه يحدثنا أن الملك عبدالعزيز قد استوعب ثقافة المجتمع الضاربة في عمق التاريخ، ومن خلال ذلك الفهم استطاع أن يسيّر هذا المجتمع بأكمله ويكون تحت رايته، وهذا الفهم ذاته، هو الذي استوعبه الأمير نايف - رحمه الله - من خلال الإرث الثقافي الذي سيق إليه، ومن خلال المدرسة الملكية والممارسة العملية في مجال عمله عبر سنوات طويلة استطاع من خلالها الاستزادة من المعارف الخاصة بالمجتمع، وكذا الوقوف على حركة حياة المجتمع السعودي وتفاصيله، فحق له أن ينال الحب والتقدير. وبالتالي فسموه كان تاريخاً اجتماعياً وإنسانياً عميقاً اختزل محتوى المجتمع السعودي وتراثه فيه، ولذلك كان كتلة من الحكمة والأناة والهدوء وبعد النظر الذي استوعبته شخصيته. رابعاً- السمات الشخصية والإنسانية: هناك مجموعة من السمات والخصائص الإنسانية التي يتميز بها سمو الأمير نايف - رحمه الله -، ومن تلك الصفات الجوانب الإنسانية، فعلى المستوى الفردي، المعهود عن سموه، أنه شديد الرقة والحب والحس المرهف والإحساس بالآخر، وشديد التأثر بالمواقف الإنسانية، حتى أن عينيه تدمعان ولا يستطيع إيقافهما في المواقف الإنسانية الحساسة، سواء ذلك فيما يواجهه في عمله أو ما يشاهد من مواقف متعددة. ومن خلال الحالات التي يتعامل معها بشكل يومي في مجال عمله، فهناك الكثير من المواقف الإنسانية التي مرّت على سموه في مجال عمله، حالات يتعامل معها كجزء من عمله، أو حالات عارضة تمر عليه في مكتبه فيتعامل معها بإنسانية عالية، كالعفو والتسامح وإعطاء الفرصة والتريث والحمل على حسن النية والتجاوز عن الخطأ ومحاولة الإصلاح، وهذه تعكس كنه سموه الإنساني، وطيبة قلبه وحبه لأبناء بلده ويسعى لأن يتعامل معهم كأبناء أو إخوان له، والشواهد في هذا المقام كثيرة. خامساً: رؤية متوازنة وهادئة وحازمة وحاسمة، المتتبع لشخصية سمو الأمير نايف - رحمه الله - يجد أنها تتكون من ثقافته الاجتماعية والإنسانية والعملية والرؤية الإستراتيجية، وبذلك يكون جزءاً من التكوين الثقافي والاجتماعي والإنساني في الثقافة السعودية، وهذه المعطيات الإنسانية والاجتماعية جاءت للمحافظة على أمن المجتمع واستقراره ووحدة الكلمة وأخذ رأي أهل الحل والعقد في المجتمع والوحدة الوطنية والمجتمعية وغير ذلك من المعطيات الاجتماعية الأخرى، وهذه المعطيات تؤهل المحافظ عليها أن يتخذ الإجراءات والتدابير المناسبة للمحافظة على الأمن والاستقرار المجتمعي، وهذه المهام في مجموعها والتوازن في التعامل معها تعكس رؤية سموه المتوازنة والهادئة والحاسمة لمجمع قضايا المجتمع السعودي وعلى الخصوص المتعلقة بالأمن. سادساً- عقلية متفتحة ومدركة لمحتوى المجتمع: عاصر سمو الأمير نايف - رحمه الله - مسيرة التنمية منذ انطلاقها، وكان شاهداً على التحديث والتنمية والتطور، والمستجدات وقراءة الواقع قراءة صحيحة، وذلك لتجنيب المجتمع الأخطار والكوارث التي تهدد امن المجتمع. ومن شواهد عقليته المتفتحة ذات البعد الاستراتيجي وتقبله للمستجدات والتعامل معها اهتمامه بالبحوث والدراسات، وجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، ورئاسته لمجلس وزراء الداخلية العرب، وغير ذلك من الاهتمام بالكراسي العلمية والجوائز التي تنمي الجوانب العلمية والعملية وصلته بتأمين الثقافة العربية الإسلامية والسعودية. إن سمو الأمير نايف - رحمه الله - نتاج ثقافة مجتمعية سعودية أحبت الأمن والسلام والاستقرار؛ فكان سموه عنواناً لذلك، وبذلك أصبح قامة وهامة وشخصية وطنية أجمعت عليه جميع فئات المجتمع السعودي، واستحق كل هذا الحب والتقدير، فقد حفر حبة في قلوب جميع أفراد المجتمع، وسوف يخلده التاريخ كخيار وطني وعلامة فارقة في مسيرة المملكة. رحمه الله تعالى وأسكنه فسيح جناته، وبقي أثره شاخصاً يدل عليه فأمن الوطن والمواطن تشهد له بذلك. * أستاذ علم الاجتماع بجامعة الملك سعود