خيّم الحزن العميق على مشاعر المواطنين والمقيمين بعد تلقيهم نبأ وفاة صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز «رحمه الله»، الخبر الفاجعة ألقى بظلاله محلياً وإقليمياً ودولياً للمكانة الكبيرة التي يحتلها الفقيد الكبير، وحين تحضر سيرة الأمير نايف تتعدد المشاهد والإنجازات التي طالما حقق فيها نجاحات غير مسبوقة، ولعل ملف مواجهة الإرهاب ودحر الفئة الضالة، واجتثاث فكرها الذي استشرى في كل أنحاء العالم هو المنعطف الكبير والمحوري في حماية هذا الوطن وحفظ مقدراته وسلامة المواطنين، وتلقى -رحمه الله- الإشادة من كل العالم لبراعته في إدارة الأزمة، والقضاء على تحدٍ كان يمثل مصدر تهديد لهذا الكيان، ومن ثم امتدت المعالجة إقليمياً ودولياً حتى استقرت الأوضاع واندحر الفكر الضال بعد مواجهته بحزمة محاور حققت نجاحاً أصبح محل تقدير العالم. سموه راعياً افتتاح مؤتمر حقوق الإنسان في الحرب والسلم اجتثاث جذور الإرهاب بدايةً عرض "د.سلطان العنقري" - خبير وباحث في شؤون الأمن- الإستراتيجية التي اتبعها الفقيد الأمير نايف بن عبدالعزيز والتي استندت على عدة مرتكزات، الأول هو التصدي الأمني للتنظيم الإرهابي، مع الضربات الاستباقية التي تبنى على معلومات استخباراتية، بمشاركة فاعلة من المواطنين في الإبلاغ عن عناصر الفئة الضالة تفاعلاً مع توجيهات القيادة وقناعة المواطن بأنّه رجل أمن ومسؤول عن أمن وطنه؛ ما مكّن وزارة الداخلية وخلال فترة وجيزة من تطهير مدن المملكة من عناصر الفئة الضالة والقضاء عليهم بجهود مباركة من مختلف القطاعات الأمنية، وكان المرتكز الثاني هو العلاجي من خلال مركز الأمير محمد بن نايف للمناصحة والذي تزامن مع المواجهات الأمنية لاجتثاث الإرهاب، ليحقق المركز العديد من النجاحات التي أسهمت في عودة الكثير من المعتنقين لهذا الفكر إلى جادة الصواب، مشيراً إلى حكمة الفقيد الراحل في التصدي لمصادر التمويل للفئة الضالة كمرتكز ثالث من خلال تنظيم جمع التبرعات والإشراف الكامل للقطاعات الأمنية والوزارات المختصة، وتجفيف منابع الإرهاب بوقف تمويلها عن طريق التبرعات التي كان كثير منها يصنف بالتبرعات "القذرة"،؛ حيث يتم غسل أموال التبرعات بمشروعات ظاهرها الصلاح فيما توجه إلى دعم الإرهاب، لافتاً إلى تزامن هذه المرتكزات المفصلية في معالجة ملف الإرهاب والتصدي له والقضاء عليه مع تحركات المملكة خارجياً للقضاء على الإرهاب بإنشاء المملكة للمركز الدولي لمكافحة الإرهاب عقب "إعلان الرياض" بعد انعقاد المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب الذي استضافته المملكة، مذكراً بمكانة المملكة عالمياً في مواجهة الإرهاب وتبني تجربتنا في الدول المتقدمة. حرص الفقيد على دعم ونشر السيرة النبوية المطهرة رجل الحزم والعقل وذكر الأستاذ "حمد القاضي" - عضو مجلس الشورى- السجايا النادرة للفقيد الراحل التي وهبها الله له، مذكِراً بحلمه الواسع وندرة غضبه والتي بلا شك حين تكون في المسؤول الأمني فإنّها تزيده رفعة وحكمة، مضيفاً: "من يعرف الفقيد الراحل فلن يغيب عنه حسن إنصاته ومنحه المتحدث الوقت الكافي ليقول كل مايريد دون مقاطعة أو تبرم، ثم يرد ويجيب المتحدث أو السائل بهدوئه المعروف واتزانه؛ ما أكسبه محبة الجميع"، مؤكداً الرؤية المستنيرة بعيدة النظر للفقيد الراحل حين كان يستشرف المستقبل، وبالتالي لم تكن معالجته لملف الإرهاب مقتصرة على الحل الأمني، رغم تحقيقه نجاحات كبيرة سواء أكان ذلك في المواجهات المباشرة مع الفئة الضالة أم بالضربات الاستباقية التي مكنت من إحباط العديد من العمليات الإرهابية؛ حيث كانت قناعات سموه التي كثيراً ما كان يرددها "إنّ الإرهاب نتيجة انحراف فكري" لذلك كان يرى ضرورة مصاحبة المواجهات الأمنية معالجات فكرية، وبالتالي أولى الفقيد الراحل العلاج الفكري كل الاهتمام والعناية، موجهاً الوزارات والمؤسسات الدينية والتربوية والإعلامية بتبني خططاً وبرامج للإسهام في معالجة الفكر المنحرف وبلورة سماحة الإسلام وتعايشه مع الآخر عبر التاريخ، وتوضيح سياسة البلاد القائمة على الاعتدال ، تلا ذلك إنشاء مركز الأمير محمد بن نايف للمناصحة، محققاً نجاحات كبيرة في إعادة كثير من أصحاب الفكر المنحرف إلى جادة الصواب، ليحظى هذا المركز بإشادة العديد من المؤسسات الغربية.. د.سلطان العنقري ولم تتوقف جهود الفقيد الراحل عند خدمة دينه ووطنه في الداخل، بل امتدت لخدمة الأمة العربية والإسلامية وسعى سموه لبلورة سماحة الدين الإسلامي بإنشائه كرسي الأمير نايف للدراسات الإسلامية والعربية بجامعة موسكو الحكومية في روسيا الاتحادية، تحقيقاً لرغبته الصادقة في دعم ونشر السيرة النبوية المطهرة، والدراسات المعاصرة وحفظ الأحاديث النبوية ولغة القرآن الكريم في جميع أنحاء العالم ومن بينها روسيا الاتحادية، منوهاً بجائزة سموه للسنة النبوية لإبراز سيرة الرسول الكريم، بالإضافة إلى جامعة الأمير نايف التي احتضنت ضباط العالم العربي ليعودوا لخدمة بلادهم بعد تلقيهم تعليمهم في هذه الجامعة العريقة. التوفيق بين الأمن والإنسانية ونوّه "د.مفلح القحطاني" بتطور مفهوم حقوق الإنسان للسجناء، مشيراً إلى حرص الأمير نايف -رحمه الله- على الاعتبارات الإنسانية في اجتماعاته وتوجيهه لكافة مسؤولي الأمن بالتوفيق بين المعايير الأمنية، والإنسانية؛ حيث رأى سموه أنّ عدم توفر الأمن سيخل بكل الحقوق الأخرى، مشيداً بتعامل الوزارة مع أسر السجناء من خلال تبني احتياجاتهم وصون حقوقهم وتوفير حياة كريمة لهم.