رحيل الأمير نايف بن عبدالعزيز كان بمثابة فاجعة كبيرة ومصاب جلل حيث فقدنا قائدا وركنا رئيسيا من أركان الدولة، والذي أفنى جل حياته في خدمة دينه ووطنه وشعبه. غادرنا نايف بن عبدالعزيز بعدما أدى الأمانة ، وستستمر هذه البلاد بقيادة خادم الحرمين الشريفين وإخوانه والحكومة في المضي قدماً في حركتها الدائبة المليئة بورش العمل والبناء والتنمية لتحقيق تطلعات المواطن لوعة الفقدان موجعة لكل من يعرفه أو تعامل معه أو تابع نشاطاته وأدواره المتنوعة في العمل الإداري والأمني والخيري. نايف الراحل كان له الفضل بعد الله سبحانه وتعالى في أن تتجاوز هذه البلاد فترات عصيبة من وقتها حينما داهمها غول الإرهاب، ولكنه كان له بالمرصاد. لم يكن الراحل مسؤولًا عن ملف الامن الذي شهد تحولات نوعية فحسب بل ساهم في بناء دولته من خلال رحلة خالدة تحمّل خلالها أعباء ومهام جسيمة. حياته تمثلت بمسار مليء بالانجازات، وسجل مرصع ببصمة النجاح، فالفقيد وهو من ابرز رجالات بلادنا، ساهم في الارتقاء بها إلى مصاف الدول تقدما ونموا والصعود بها إلى المكانة التي تستحق. كان دائما يقف إلى جانب المواطن منطلقا من قناعاته بضرورة تحقيق الرفاه الاجتماعي، ودوره المحوري في تعزيز التنمية المستدامة المتوازنة. ناهيك عن مساهمته اللافتة في ترسيخ الأمن خلال العقود الماضية . مواجهة الإرهاب احد العناوين الكبيرة التي رسمها الراحل الكبير. وهو الذي قد قال ذات مرة بأن الإرهاب يقف خلفه انحراف فكري. كانت رؤيته وحزمه وصرامته سببا رئيسيا بعد قدرة الله سبحانه وتعالى في اجتثاث الخلايا المتطرفة وتفكيكها، ومواجهة عناصرها وتجفيف منابعها المالية. ولعل معادلة المواجهة الأمنية مع المعالجة الفكرية احد الأسلحة الناجعة التي استخدمها الأمير الراحل في مواجهة التطرف والإرهاب. كان رحمه الله منخرطاً في تطوير البنية القانونية والتشريعية والإدارية للدولة، وهذا يدل على حنكته وبعد نظرة وخبرته المتراكمة بدليل أنه حظي بثقة خام الحرمين آنذاك ؛ حيث ترأس اللجنة المختصة بدراسة النظام الأساسي للحكم والمناطق والشورى والتي صدرت في عام 1992 في عهد الراحل الملك فهد بن عبدالعزيز. وهي التي دشنت مرحلة فاصلة في مأسسة الدولة والارتقاء بالبنية الإدارية والتنموية للبلاد. باتت السعودية دولة عصرية وحديثة في إطار من المحافظة والتفاعل مع المتغيرات وذلك إدراكا من القيادة أن ذلك يمثل ضرورة إستراتيجية وليست ترفاً. فالمملكة تُعَدّ إحدى الدول المحورية في المنطقة والخليج ، وليس مستغربا أن تكون السعودية محل اهتمام الكثيرين في العالم من كافة المراقبين والمحللين،نظرا لدورها في إحداث التوازن في سوق وأسعار النفط عالميًّا، ومكانتها الدينية المؤثرة في العالمين العربي والإسلامي. كان الراحل الأمير نايف عضدا لأخيه خادم الحرمين الشريفين، كونه يمثل تجربة ثرية وخبرة متراكمة وركيزة أساسية في هيكل الدولة، منطلقا من جوانب متعددة أهمها حنكته السياسية ورؤيته الثاقبة، ليساهم مع الملك القائد في تعزيز التنمية وتطوير البلاد لتعيش اليوم حراكا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا . لقد تقلد الراحل مناصب عدة وترأس لجاناً وهيئات وكل هذا غيض من فيض لكشف بعده الإنساني وثقله الاجتماعي - رحمه الله - فمواقفه وشواهده معروفة في دعم القضايا العربية وتكريس التضامن الإسلامي فضلا عن تقديم الإعانات والمساهمات الخيرية. كما انه ما برح رحمه الله يلبي احتياجات المواطنين. ولعل مواقفه الإنسانية وأفعاله وعطاياه ومساندته ورعايته للضعفاء والمحتاجين والشعوب المنكوبة ابرز ما ميّز الفقيد في عمل الخير. ورغم الحزن والأسى بهذا المصاب، إلا أن هذه سنة الحياة ، والموت حق على الجميع، ويكفي نايف انه قدم كل جهده من اجل دينه ووطنه. وعزاؤنا ان مسيرة نايف سيستمر عليها خلفه ، لان هذا هو ديدن هذه البلاد. ولعل خطوة الملك الدستورية التاريخية جاءت لمواجهة القادم من الأيام ، والتي هدف منها محوَ القلق والخشية من القادم من الأيام، فحين أقدم على تطوير نظام الحكم بإعلان نظام هيئة البيعة فانه راعى الاستحقاقات القادمة والمتغيرات الراهنة, من اجل غلق الثغرات وما قد ينشأ من ظروف واحتمالات تهدد بفراغ دستوري,ما يعني تعزيز المفهوم المؤسسي في صناعة القرار السياسي وانتقال الحكم، وخطوة دستورية تحديثية لمواجهة التحديات الإقليمية والدولية فضلا عن تكريس استقرار الوطن وحماية الوحدة الوطنية من التشرذم والانقسام. ان الشعب السعودي أثبت ولاءه لقيادته وتمسكه بثوابته ، ويرفض الفوضى وبذور الفتنة ، وهو موقن بحجم التحديات والمخاطر المحدقة به. وفي عمق الأزمات، لم يتردد في أن يُظهر وفاءه وعقلانيته وإصراره على تمسكه بوحدته الوطنية. ولذا نجد أن السعوديين معنيون اليوم أكثر من أي وقت مضى بوقفة تأملية جادة كفيلة بترجمة تطلعات الملك على ارض الواقع. ثمة تفرد نعتز به ونحمد الله عليه كثيرا ، فضلًا عن منظومة التواصل ما بين القيادة والشعب والتي ساهم فيها الراحل مع أخيه خادم الحرمين لتجسد لنا معادلة وطنية لا زالت محل تأمل ودراسة لدى الآخرين. ولقد تمثل ذلك في الشعور الذي يكتنف كل مواطن ومواطنة ما يعكس الطمأنينة التي تعم البلاد وحالة الأمن والاستقرار رغم ما يموج حولنا من صراعات وأحداث . لقد استطاعت السعودية إلى حد كبير تحقيق معادلة متوازنة رغم واقع المعطيات وظروف العصر وتصاعد وتيرة التحولات ، لأنه بتحليلها معرفياً واجتماعيا، يمكن الوصول إلى فهم نجاح التجربة الوحدوية للمؤسس عبدالعزيز واستمرارها في منطقة لم يُعرف عنها سوى التوتر وعدم الاستقرار. غادرنا نايف بن عبدالعزيز بعدما أدى الأمانة ، وستستمر هذه البلاد بقيادة خادم الحرمين الشريفين وإخوانه والحكومة في المضي قدماً في حركتها الدائبة المليئة بورش العمل والبناء والتنمية لتحقيق تطلعات المواطن. حمى الله بلادنا، ورحم الفقيد الكبير وتغمده بواسع رحمته وأدخله فسيح جناته..