العنوان أعلاه ليس من نسج خيالي ولا من بنات أفكاري، بل هو تعليق لأحد قرائي على مقالتي الاسبوع الماضي حول (عمل المرأة.. يا صبر الحكومة!) وفي الحقيقة وقفت كثيراً عند التعليق وفكرت جلياً في المفهوم الأوسع لهذا التساؤل الذي لا يحمل الطرافة وحدها فحسب ، والتي أجزم بأن هذا القارئ الكريم لم يقصدها ، بل كان يقصد معنى وعمقاً اجتماعياً أوسع يحمل بين طياته أطيافاً من الاختلافات الفكرية المتناقضة في المجتمع ، وتعدد الرؤية والمقصد لمفهومنا لبعض القضايا الاجتماعية السائدة. تنقلت بين تلك التعليقات مرة اخرى في محاولة لاستعادة وفهم هذه التعددية الفكرية ، حتى وأن كانت في قضية اقتصادية لها أبعادها الاجتماعية، ولاحظت سجالاً بين اطراف وتيارات عدة ، وتأكدت ان المجتمع يعيش حالة من الاختلاف الفكري في النظر للقضايا ، وعندما أقحم هذا القارئ أزمة الشعير! في الموضوع فكان له الحق في ذلك ، فحتى مربي الماشية الذين همهم الأول أسعار الشعير وإعانة الدولة عليها وتوفيرها بأسعار معقولة ، أقحموا في قضية الأزمة الفكرية والتعامل معها ، فالفكر والثقافة والحوار والنقد وحرية التعبير كلها تشكل القرار الاجتماعي والاقتصادي، فعندما يتدخل الفكر ويصيغ رسالة المجتمع وثقافته وطرحه واحترام رأي الاخرين والتحاور مع المسؤول بكل شفافية وتقبل للرأي الاخر ، فان ذلك يشكل نواة ومنهجا للقرار في المجتمع ، ونحن نورد قضية الشعير نتذكر ما ذكره معالي وزير الزراعة في وقت سابق لأحد المواطنين عند مناقشته لقضية الشعير التي تمثل همه الاول قال له بالنص" تبي الحكومة تعطيك كل شيء ببلاش!"، وهنا تتبلور سياسة المفهوم الامثل للحوار التي تشكل الأزمة الفكرية واختلاف الآراء والتواصل بين الآخرين سواء في المجتمع عامة ، أو بالتحديد بين المواطن والمسؤول لكي تؤطر العلاقة بين الأزمة الفكرية وبين اخواتها من الأزمات الاجتماعية ، لا نقول قضية المرأة وحساسيتها فقط ، فها هي قضية الشعير أصبحت مجالاً للمقارنة بينها وبين الأزمة الفكرية حسب رأي هذا القارئ الكريم. نريد ونتمنى مجتمعا يؤمن بالحوار ويتقبل الرأي الاخر ولا يُتهم من يطرح رأيه بأنه ضد المجتمع أو ضد الحكومة أو ضد التقدم الاجتماعي أو ضد مجموعة أو توجه معين كما يحدث دائماً في النظر لوجهات وآراء الآخرين ، فنحن أبناء وطن واحد وجميعنا في نفس المركب يؤمن بثقافة الحوار وأصوله ، فعندما تطرح أزمة الشعير كمثال فإنها تمثل فكراً للمهتمين بها لا تبخس حقوقهم في الرأي والسماع لهم ، فتصبح أهم من الأزمات الفكرية لأنها من نتاجها، فتتلاقى بعد ذلك الأفكار والرؤى الاجتماعية للصالح العام ، وكأنها تمثل أزمة فكرية في الطرح والتوجه والرأي الصريح الذي يؤكد بأن الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية.