من يتابع مجريات الأحداث في سوريا لابد أنه سيأسف لما وصلت إليه الأمور في هذا البلد العربي المهم، ولابد أنه سيصل إلى قناعة أن الشعب السوري يقف في مواجهة نظام "قليل الذوق"، يقتل الأطفال بلا رحمة ويغتصب النساء بدم بارد، نظام آخر ما يفكر فيه هو "الأخلاق" التي يبدو أنها مغبة من قاموس هذا النظام المجرم، ومن يستمع للمؤتمر الصحفي للسفير السوري في هيئة الأممالمتحدة (بشار الجعفري) يوم الأربعاء الفائت، سوف يفقد الأمل أن هذه الطغمة المجرمة التي تحتل سوريا ستعود إلى رشدها أو أنها تفكر، مجرد تفكير، فيما يريده الشعب السوري، فتحريف الحقائق وتزييف الوقائع بدم بارد لعبة احترفها هذا النظام الذي لن تردعه سياسة ولن تخوفه "مبادرة" لأنه احترف منطق القوة ولا يرى بديلا عنها. مجزرة الحولة ستظل مفصلا مهما في تاريخ النضال السوري، وستكون بإذن الله الشعرة التي قصمت ظهر البعير، فالمجموعة المجرمة التي تحكم سوريا، لم تكن تتصور أن يشاهد العالم فعلها الإجرامي بهذا الوضوح العالم يشجب مجزرة "الحولة" وسفير النظام يندد بالمجرمين وجيش النظام مستمر بقصف البيوت الآمنة في هذه البلدة، احتراف التزييف واللعب على جميع الحبال مسألة يفتخر بها القادة السوريون المجرمون، فهم يعتبرون أنفسهم أهم من الدولة ومن الشعب ولا يفكرون ماذا سيقول عنهم العالم، فابن الوز عوام، وعندما قتل حافظ السد أربعين ألف مواطن سوري في حماة، في مطلع الثمانينيات، لم يرف له طرف ولم يعط العالم اهتماما وهاهو ابنه المجرم بشار يسير على نهجه. المسألة بالنسبة لبشار هي البقاء في الرئاسة بأي ثمن، وهذا لن يكون أبدا وإلا ما فائدة التضحية بأكثر من 15 ألف مواطن سوري دفعوا أرواحهم ثمنا لإقصائه. ربما اعتقد النظام السوري أن العالم سيمرر له جرائمه، فقد كان يراهن على "ذاكرة العالم" الضعيفة وكان يستخدم شالوقت من أجل إضعاف هذه الذاكرة أكثر، لكنه تفاجأ بعد مجزرة "الحولة" بردة فعل العالم فقد تم طرد البعثات الدبلوماسية السورية من أغلب دول العالم، فخرج "الجعفري" مذعورا وألف مسرحية مضحكة قال فيها أن لجنة التحقيق في مجزرة "الحولة" ستنهي أعمالها خلال يومين، والنتائج معروفة سلفا لأن الجلاد هو الحكم، فالنظام السوري يرفض مشاركة هيئات محايدة في التحقيق. ما هذه الغفلة وما هذا التعنت "الغبي"، فهل يعتقد البشاران (الأسد والجعفري) أن العالم سيصدق مهزلة التحقيق هذه، وهل يتوقعون أن نتائجها وما سيصاحبها من مسرحيات "تلفزيونية" ستمر على العالم، هذا الغباء المستمر من هذا النظام سوف يدفع بسوريا إلى نهاية مأساوية، كان الأجدر ببشار الأسد، لو أنه يتمتع بالذوق الإنساني ولو عنده قدر ضئيل من الأخلاق، أن يجنب شعبه هذه المحنة، فالرجال يصبحون كبارا على قدر تضحياتهم الكبيرة. مجزرة الحولة ستظل مفصلا مهما في تاريخ النضال السوري، وستكون بإذن الله الشعرة التي قصمت ظهر البعير، فالمجموعة المجرمة التي تحكم سوريا، لم تكن تتصور أن يشاهد العالم فعلها الإجرامي بهذا الوضوح، وربما لحسن حظ الشعب السوري أو لسوء حظ النظام، أن هذه المجزرة حظيت بتوثيق تلفزيوني أثناء وبعد الحدث، الأمر الذي كشف ألاعيب هذا النظام حتى أمام أصدقائه، فنبرة الحليف الروسي تغيرت، ويبدو أن روسيا بدأت في مشوارها في التخلي عن الأسد ونظامه، مع أنني شخصيا لا أثق في روسيا أبدا ولا أعتقد أنها ستتراجع عن موقفها، لأن هذا سيثبت للعالم أنها كانت على خطأ، وهذا آخر شيء تريد روسيا فعله، لكن الأحداث أقوى من روسيا وإرادة العالم سوف تتغلب على إرادتها. ومع ذلك فأنا لا أريد أن أكون عاطفيا، فنحن نعلم التعقيدات التي أحدثها الفيتو الروسي في الملف السوري، ونحن نعرف أن نظام مجلس الأمن لا يعتمد على "العدل" و"الإنسانية"، ولكنه يعتمد على إرادة الدول الكبرى. المعيب حقا هو الموقف العربي مما يجري في سوريا، فالجامعة العربية أثبتت أنها مؤسسة غير فاعلة وعلى النظام العربي أن يبحث عن مظلة أخرى يحتمي بها من هذه السلبية التي تعيشها الدول العربية. كيف يمكن أن تقبل الجامعة مجزرة "الحولة" دون أن تتحرك ودون أن تعمل على إسقاط نظام فاسد ومجرم. المشكلة هي أن هناك بعض الدول العربية مازالت تؤيد الأسد وهناك بعض الكتاب العرب الذين يؤيدون ما يفعله النظام بالسوريين. إننا نعيش في عالم التناقضات، لكننا نؤمن بأنه لن يصح إلا الصحيح وأن الشعب السوري سوف ينتصر في النهاية لأنه على حق ولأنه صاحب قضية، فمن يكسب الجولة دائما هو "الشعب" ومهما طال أمد شرذمة الأسد في تجنيها على أبناء الشعب السوري سوف يسقطون مثل الذباب الذي يحوم حول النار، لكننا لا نتمنى هذه الخسائر في الأرواح بين أشقائنا السوريين، فدماؤهم عزيزة علينا وما يوجعهم يوجعنا، وعلى كل العرب من الآن أن يستعدوا لدعم الجيش الحر في الداخل، لأن الأسد وعصابته لن يرتدعوا إلا إذا شعروا بتغير موازين القوى في الداخل. الأحداث في سوريا تبين الوضع المتردي الذي وصلت إليه الأوضاع في العالم العربي، وتبين البون الشاسع بين ما تريده الأنظمة وبين ما يريده الشعب. تؤكد على أن الفساد جعل الدولة العربية تنفصل إلى "نظام" يستفيد من كل شيء و"شعب" محروم من كل شيء. ما يسمى بالربيع العربي لم يأت مصادفة وليس لأن البوعزيزي حرق نفسه (رغم أنه كان الشرارة الأولى)، ولكن لأن الأوضاع كانت قد وصلت إلى مرحلة لا يمكن الاستمرار معها، كان الأمر بحاجة إلى "دفة بسيطة" أو "شرارة" حتى لو كانت نصف مشتعلة كي تنفجر الأوضاع. ما يمارسه النظام السوري يؤكد على الانفصام التام بين من يحكم وبين الشعب، فما يريده النظام ليس له علاقة بما يريده المواطنون، وعندما أرادت الشعوب العربية أن تعبر عن رفضها لهذه المعادلة غير العادلة انفجرت الأنظمة في وجهها ونكلت بها شر تنكيل، إنها أنظمة مستعمرة تتستر برداء وطني مزيف وتستنزف أوطانها وشعوبها متخفية خلف هذا الرداء.