في حياة الأمم والشعوب تاريخ تفتخر به وانجازات لا تنساها، ورجال تبوؤا الصدارة، يأخذون بأيدي شعوبهم، يحددون خطواتهم ويرسمون ملامح مستقبلهم، فتعلقت بهم القلوب، وارتبطت بهم المشاعر، من هؤلاء الرجال خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله ورعاه -. ففي كثير من بلدان العالم يستعين كثير من القادة والزعماء بمؤسسات إعلامية خبيرة ومتمرسة لصناعة الزعامة، وإقناع الشعوب برؤسائها، فيدققون في كل حركات الزعيم ويحددون سكناته وهمساته، ويرسمون تعبيراته بهدف الوصول إلى أفضل الطرق لامتلاك قلوب الناس والإمساك بعواطفهم، ودغدغة مشاعرهم وتوجيهها في الطريق الذي يريده القائد أو الزعيم لها. لكن الملك عبدالله بن عبدالعزيز بإطلالته الحانية، وطيب محياه، وصدق مشاعره، لم يكن ليحتاج لكل ذلك، فقد ملك القلوب دون عناء، وأسر العقول دون نداء، فاستقر موقعه في وجدان الناس حتى أضحت صباح مساء تلهج له ألسنتها بالدعاء. إنجازات تحققت وآمال معقودة عندما تصدق النوايا وتتحدد الأهداف تدور عجلة التنمية فتتوافر أساسيات الاستثمار ودعائمه ويتبلور النجاح ويكون التميز، وعندما يحدث الاستقرار يولد التقدم، ومن التقدم تكون الريادة، وما كانت الريادة إلا بحكمة القيادة، هذه القيادة الحكيمة للدولة الرشيدة قيادة ملك الإنسانية عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله ورعاه -. فمنذ بداية توليه المسؤولية، والتنمية تحتل حيزاً كبيراً من فكره وعقله، ويظل المواطن هو شغله الشاغل، فهو دائماً مهموم بقضايا وطنه وهموم أمته، بل تخطت إنسانيته الحدود حينما أطلت على المجتمع الإنساني بأسره، يغيث اللهفان، ويساعد المحتاج، ويرفع الأذى عن المسلمين. وفي عهده الميمون تشهد المملكة العربية السعودية انجازات قياسية وقفزات تنموية غير مسبوقة، تميزت بالشمولية والتكامل والرؤية الاستراتيجية، لتشكل ملحمة عظيمة في بناء هذه الأمة ووضع أسسها وصياغة ملامحها بكفاءة واقتدار. إن النجاحات التي حققتها خطط التنمية في المملكة في عهد خادم الحرمين الشريفين كان منبعها الرؤية الواعدة والتخطيط السليم والإدارة الجيدة، ومن قبل ومن بعد الإيمان الواثق بالله والعقيدة الراسخة. فقد تبنت خطط التنمية في الدولة الرشيدة سياسة وإستراتيجية قائمة على ذات القيم التي قامت عليها المملكة الآمنة، وما كانت مسيرة النجاح التي نُفّذت، والانجازات التي تحققت لتقف عند هذا الحد، فخادم الحرمين الشرفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز والشعب السعودي يملكون طموحاً ليس له حدود. التوازن كأسلوب أداء وظلت خطط التنمية في عهده الكريم متوافقة مع الخط العام للمملكة منذ تأسيسها منسجمة مع واقعها العام، وأصولها الراسخة التي قامت عليها فلم تحد عنها، ولم تخل بها، ببناء تنموي وحضاري متكامل الأركان يأخذ بأسباب النجاح ومتطلبات التقدم ويصيغها بما يتوافق مع الثوابت الوطنية وأصول النشأة للدولة الرشيدة. وحافظت المملكة بقيادة خادم الحرمين الشرفين - حفظه الله - على هذا الخط والمسار على الثوابت والأصول، فكانت صياغة النهضة الحضارية والتنمية المتوازنة بين التطور التنموي والتمسك بالقيم الدينية والأخلاقية، بين التنمية الشاملة وتكافؤ فرص التنمية، بين البناء الاقتصادي والبناء الاجتماعي، بين الاهتمام بالإنسان والاهتمام بالمرافق والخدمات، بين تنمية المؤسسات كأبنية وهياكل وبين تطوير مواردها البشرية ورأسمالها البشري، بين سياسة خارجية طموحة ونظام عالمي صارم، في كل ذلك كان التوازن أسلوباً للأداء، والرؤية الإستراتيجية البعيدة هي المحدد العام والإطار الشامل. تنمية التعليم في عقل الملك عبدالله بن عبدالعزيز كان الهدف واضحاً، والرؤية محددة، في التوجه إلى فكر جديد للتعليم، لما رأينا الأدوات المعرفية وتقنياتها الحديثة أضحت سبلاً لهيمنة فكرية وثقافية تشكل العقل وترسم ملامح الوجدان، لذا كان التوجه نحو صناعة هذه الأدوات المعرفية بعقول طلابنا وأيادي أبنائنا حتى يكونوا من منتجي المعرفة؛ فمن يمتلك المعرفة يمتلك الثقافة، ومن يمتلك الثقافة يمتلك القدرة على التوجيه. فتوالت المشروعات التنموية الضخمة في مجال التعليم العالي والعام، واحدا تلو الآخر، تدعم بعضها بعضا في بناء متعدد الأدوار، وكان لابد من سواعد وطنية وعقول سعودية تقوم على هذه المشروعات، فكان برنامج الملك عبدالله للابتعاث الخارجي واحداً من أبرز الإنجازات التنموية التي تهيئ لصناعة بشرية غاية في البعد الاستراتيجي وتكوين الثروات الحقيقية للأمم، مما كان له أكبر الأثر في إحداث نقلة نوعية للعقلية السعودية إلى آفاق أرحب تمتزج فيها الخبرات الداخلية بالخارجية، تلك القادمة من أرقى الجامعات العالمية وهو ما بدى أثره تميزا ورقيا في نهضتنا التعليمية الشاملة. وتضاعفت أعداد جامعات المملكة إلى ما يتجاوز حاجز الثلاثين جامعة، وافتتحت الكليات والمعاهد التقنية والصحية وكليات تعليم البنات، وتم افتتاح جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، وإنشاء العديد من المدن الاقتصادية. لقد أضحت بلادنا تتبوأ مكانة مرموقة أشادت بها مراكز البحوث واستطلاعات الرأي العالمية التي وضعتها في تصنيفات متقدمة في مجالات عدة، اقتصادية وتعليمية وبشرية وتكنولوجية، فضلا عن الحضور العالمي المؤثر في مجالات السياسة والاقتصاد، وهذابعد توفيق الله بفعل حكمة قيادتها. إننا يطيب لنا في هذه الذكرى العطرة أن نفخر بالانتماء إلى هذا الوطن، يطيب لنا أن نرى ثمار جهود قيادتنا الرشيدة تتخطى الحدود، وتتجاوز العقبات فننطلق نحو القمة، ننطلق إلى مزيد من التقدم ومزيد من التفاني بروح جديدة نحو عالم متجدد يحدونا الأمل لتحقيق مزيد من الانجاز نفخر به ويفخر به وطننا. إننا نعاهدُ اللهَ ثم نعاهد قيادتنا الحكيمة أن نقف في مصاف قوى الدفع لهذا البلد، وألا نعرف غير الجد والعمل، لا نحيد عن ثوابتنا الوطنية، ونأبى إلا أن نكون مواطنين صالحين لوطنٍ يستحق كل الشرف، ومليك نال من حب الناس أعلى المقاصد. * عميد البرامج التحضيرية - جامعة الإمام