هناك من يرى أن الناقد المعماري العربي لا يفكر في المرأة ويطرح، ويعتقد أن عالم العمارة والعمارة ذكوري بطبعه في الثقافة العربية، ولم تعر المرأة أهمية في يوم حتى في وقتنا الحاضر مشكلة المدينة والعمارة العربية أنها لم تدرس بالطريقة العلمية والمنهجية الصحيحة، لذلك هناك من يدعي أنها عمارة تهمش المرأة وتستبعدها من الفضاء العمراني العام حتى في أيامنا هذه، ويؤكد على أن الوعي الذكوري العربي هو المحرك الأساسي الذي يجعل من فكرة الخصوصية أقوى من أي فكرة أخرى في التنظيم المعماري في المدن العربية التاريخية والمعاصرة. نبدأ اولا باستشهادات (شاكر لعيبي) في كتابه "العمارة الذكورية" التي نرى أنها مبتسرة وموجهة لتأكيد فكرة محددة، ولا نرى ضيرا في هذا، فللمؤلف الحق أن يعتقد ما يراه ولنا الحق في الرد عليه، لأن قناعتنا الذاتية هي أن العمارة العربية التاريخية عملت على الدوام على إيجاد فضاءات عمرانية حرة تسمح للمرأة أن تمارس فيها حريتها على أكمل وجه. نحن هنا لاننفي أن الشواهد التي أدرجها المؤلف في كتابه واقعية، لكن المشكلة هي في كيف ننظر لهذه الشواهد، فقيمة الخصوصية هي قيمة أخلاقية وشرعية تشكل ثقافة المجتمع العربي، ولا يمكن بأي حال من الأحوال عدم التعامل معماريا مع هذه القيمة المهمة، أي أنه عندما تحترم العمارة العربية التاريخية هذه الخصوصية فهي لا تقيد حرية المرأة بل إنها تحاول أن توجد حلولاً لزيادة حرية المرأة ضمن الحدود التي صنعها المجتمع العربي. فهناك فرق كبير بين أن نقول إن العمارة العربية عملت على تهميش المرأة وبين أن نقول إن هذه العمارة تعاملت مع قيمة الخصوصية باسلوب ابداعي وأتاحت مجالات للحركة والحرية للمرأة داخلها. المشكلة من وجهة نظرنا هي كيف ننظر للعمارة وكيف نقيم أدائها، فهل هي التي تصنع الحواجز أو أن المجتمع هو الذي يصنع الحواجز، في اعتقادنا أن المعماري العربي عمل بحرفية عالية لمواجهة الحواجز التي صنعها المجتمع وحاول أن يحتال عليها بحلول معمارية مبدعة يمتلئ بها تراثنا العمراني وما علينا إلا أن نبحث ونحاول أن نتعلم من الحلول التي ابتكرها المعماري العربي، وسوف نؤكد خلال النوافذ التالية كيف أن مساحة الحرية التي اتاحها المعماري العربي للمرأة أكبر بكثير من تلك التي اتاحها المجتمع لها، ونعتقد أن الرهان هنا، أي في أن العمارة العربية تقدم للمرأة ما لم يقدمه لها المجتمع، وبالتالي أن الادعاء أن العمارة العربية "ذكورية" فيه الكثير من الاجحاف والمغالطة التي لا تكشف المقدرة الابداعية لمن ابتكر وابدع عمارتنا التاريخية. ربما نحن بحاجة فعلا إلى تطوير مدرسة نقدية للعمارة العربية التاريخية والمعاصرة، فليس من المعقول أن نملك كل هذا الارث المهم ولايصاحبه فكر معماري بمستواه. خلال العامين الأخيرين حاولت وزميل لي في لندن (الدكتور وليد السيد) تأسيس هيئة للنقاد المعماريين العرب، وهي جمعية غير ربحية سوف تعقد اول اجتماعاتها في شهر يوليو القادم في لندن. هدف هذه الهيئة كان ومازال هو إشاعة النقد المعماري وتفعيل المقدرة المجتمعية على الاختيار وتنظيم البيئة المبنية. ما نؤمن به هو أنه كلما زادت قدرة المجتمع على التفاعل مع العمارة من حوله، وكلما استطاع المجتمع أن يختار المناسب له تطورت العمارة وأصبحت جزءاً من شخصيته. إحدى القناعات التي نتبناها، هي أن المجتمع العربي تاريخيا كان ناقدا معماريا بطبعه، فهو يعتمد أصلا على التجربة والخطأ في عمارته وكان يعمل وفق بيئة عمرانية مستدامة، ويخطط لبيئته المبنية بشكل يومي وحسب توافقات بين الناس، لذلك لم يكن غريبا أن يكون المجتمع ناقدا بامتياز، لأنه نقد بالتجربة والتفاعل وليس بالكلام والكتابة. هيئة النقاد المعماريين العرب تستعيد تلك المبادئ الاجتماعية المهمة في النقد المعماري وتحاول توظيفها اليوم من أجل عمارة المستقبل في العالم العربي. هناك من يرى أن الناقد المعماري العربي لا يفكر في المرأة ويطرح ويعتقد أن عالم العمارة والعمارة ذكوري بطبعه في الثقافة العربية ولم تعر المرأة أهمية في يوم حتى في وقتنا الحاضر. في اعتقادنا أن هذا الطرح فيه بعض الاستعجال، لكننا لا ننكر أنه يحرك الافكار ويجعلنا ننظر للأمور من زاوية مختلفة. هيئة النقاد العرب يجب أن تفكر في المرأة، ليس لأنها تختلف عن الرجل؛ لأننا على قناعة أن المرأة والرجل يكملان بعضهما في المدينة والمجتمع وفي كل شيء ولا نتصور أن العمارة يمكن أن تستقيم دون المرأة كما أن هيئة النقاد المعمارية لا يمكن أن تستقيم دون مشاركة المرأة فيها بفاعلية كبيرة. ما نتمناه هو أن نعيد قراءة التراث العمراني العربي حسب ما كانت تراه المرأة العربية ووفق تصوراتها وتفاعلها مع البيئة العمرانية من حولها وحسب قيم المجتمع وحدود المرونة التي كانت متاحة لكل فئات المجتمع في بيتهم المبنية. ومع ذلك فإن أحد الاشكالات التي تثار حول المدينة العربية التقليدية هي عدم وجود فضاءات عامة للنساء، أو أن الفضاء العام هو فضاء ذكوري خالص، وهذه إشكالية يجب مراجعتها بهدوء، ليس من أجل الدفاع عن المدينة العربية دون وجه حق ولكن من أجل إيضاح القيمة الثقافية والعمرانية لهذه المدينة وفهم الاسباب التي انتجتها، فالعلاقة بين كل عناصر المجتمع والبيئة العمرانية هي أحد علامات نضج هذه البيئة وتشير إلى مقدرتها على التعبير عن هوية المجتمع من العمق وليس فقط من الخارج. الفضاء العام في المدينة العربية تحكمه قواعد اجتماعية ودينية لكنه لم يكن في يوم يستبعد المرأة بشكل كامل. من يشاهد الأسواق التقليدية يرى أن المرأة كانت على الدوام حاضرة، كما أنها كانت تشكل عنصراً مهماً وفعالاً في التكوين الانساني الحضري سوف يصل إلى قناعة أن المدينة العربية كانت على الدوام متوازنة لكن بطريقتها الخاص وبأسلوبها الذي يحترم تقاليدها وأعرافها، أنها مشاركة بمذاق خاص. تؤكد بعض الدراسات أن هناك عناصر حضرية ذكورية عامة في المدينة العربية لا يقابلها أماكن نسائية، والتحليل والحكم هنا مبنى على تصورات معاصرة وليست على تصورات الزمن التي تشكلت فيه تلك الاماكن، لذلك كل هذه الأحكام لاتعبر عن الذهنية الاجتماعية بقدر ما تعبر عن رأي بعض من يريد أن يسقط أفكاره وتواجهاته المعاصرة على بيئة تاريخية لها مفاهيمها الخاصة. إن المدينة العربية لا تمانع في مشاركة المرأة في كل التفاصيل العمرانية، ولكن حسب عالمها وضمن خصوصيتها التي تضمن عدم اختلاطها بالرجال. من يريد أن يقرأ العمارة العربية علية أن يفكر في البداية أن هذه العمارة تخضع لتقاليد وقيم لا يمكن العبث بها أو تجاهلها، وهي قيم مؤثرة وعميقة في صياغة الصورة العمرانية العامة للمدينة العربية. العمارة لا تستقيم دون الرجل والمرأة لذلك يجب أن نفهم الحالة التي تستطيع المرأة مشاركة الرجل في المدينة العربية التاريخية، فليس كل الحالات متاحة لكنها ضمن الصورة المجتمعية العامة التي يرضاها الجميع. هذا التصور يجب أن يوضع في الاعتبار عند إجراء أي دراسة حول العمارة العربية، لأنه ليس من الانصاف إسقاط معايير معاصرة على مدينة تاريخية والحكم عليها حسب ما نتصوره اليوم.