رسالتي كمواطن يهمه شأن أمته وشأن وطن عاش فيه شرخ شبابه وبدايات شيخوخته، والمناسبة هي المفاجأة السراء والبشارة الغراء لهذا الوطن المحظوظ، وكل أوطان الخليج الساعية نحو قمة مجدها، بخطى واثقة تحت رايات الأعزة من حكامها مؤمنة بغايتها، وهدفها نصب عينيها. ولمن أراد استلهام التاريخ فلقد شهدنا مولد أكثر من مجلس للتعاون بمنطقتنا، وإن كان من بين كل هذه المجالس والوحدات نموذجاً واحداً قد سورته الحكمة والتأني.. وأما باقيها فقد دهمته عجلات سرعة اتخاذ القرار وعشوائية الغاية وعدم نبل الوسيلة وكنا وبقية ابناء جيلي في الوطن العربي كل داخل حدود وطنه تحبطه وتكبو به أحلامه بسقوط هذه الوحدات والمجالس ظلمة اليأس كانت شمعة واحدة محوطة برعاية من أوقدوها يزداد سطوع نورها كل يوم حتى أتى الوقت الذي أنعم علينا فيه ربنا فعمتنا الفرحة الكبرى بتحقيق الحلم الجميل حين أعلن الملك الصالح موضوع طرح وحدة المجلس على مائدة البحث الرصين، بذات الكيفية المتأنية لتبدأ بضم الفروع، ولملمة الغصون، حتى تستحيل شجرة واحدة أصلها ثابت وفرعها في السماء، ولتصبح هذه الوحدة - التي تفرضها وحدة الأرض والدين والتاريخ والإنسان واللسان والعادات والتقاليد والموروث التليد والحاضر المجيد - فرضية محتومة بإعلانها من الملك الصالح، فبزغ للعيان ميلاد عملاق فتى أحيا أملاً وأوقد نبراساً وأشعل جذوة تستضيء بها أمم وتجد على نورها إن شاء الله هدى. يا أيها الباحثون والإعلاميون والمفكرون والأدباء والمؤدبون وشباب الدنيا وشيوخها انظروا وأفيدوا واعلموا وعلمِّوا وأعلنوا وأدرسوا وانشروا هذه التجارب والحكمة الثرية وانظروا خطى هذا الشعب العاقل الواثق الملتلف خلف قيادته بوعي وحب سبق بهما وبسببهما أمماً كثيرة من حوله يسير بثبات يقطع دربه بعزيمة ينفثها فيه ملكه يستحث بها خطاه على طريق تفوقه. يا أيها الشعب الكريم إني أغبطك «أحد عشر» تسعة منها على ما حاباك الله بالملك الصالح، والأسرة العظيمة، وحكومة رشيدة راشدة مرشدة سائرة بثقة على درب مسعاها... وواحدة على ما حباكم الله من نعم تستحقونها ثم أخرى على بشرى هذه الوحدة التي دلت على نتائجها مقدماتها، فالذي يتحقق يحقق ما يصبو له، والمستبصر يبصر ويحوز ما يرنو إليه، والمستنبط المجتهد يستخرج ما خبئ له، والغائص المتوكل على ربه مستخرج اللالئ لا محالة.. ولاشك ان الحكمة البالغة في اتخاذ القرار بتوقيته ومعالجة المشاكل المعترضة، ومغالبة قوى الشر والتعويق، وإزالة وإذابة المعوق والمفرق والعائق وإماطة أذاه من الطريق وإعلاء الهدف وتسليط الضوء عليه، لهو من قيم ديننا وتعليم ربنا وتعاليم نبينا ولابد لمنتهجه من بلوغ القصد. ولقد كنا والدنيا معنا ترى وترقب مقدمات الاستقرار المستمر والتحسن المضطرد.. أدى إليه حسن اعداد، فاستوفت تتمتها الأعداد في كل المناحي حتى يوم طرح الوحدة.. فدوت البشرى بجمال ترانيم طرحها فأفاقت الشعوب على أعذب لحن مبهورة بجمال ضائها تردد أناشيد النصر حناجر ابنائها مدركة مع مليكها ان سمة العصر وحتمية حماية الأوطان من العواصف والمطامع والعواصم من القواسم، إما لا طريق له غير التكتل والاندماج الذي هو أحد أسباب القوة والتصدي. يا خادم الحرمين وحامي مساجد شد الرحال ومحرر غائبها وضامه بإذن الله إلى مظلة العزة معك، ومعيده إلى عصمة المسلمين، هنيئاً لك وشعبك وأرضك ووطنك ومواطنيك، ولنا جميعاً وكل معتز بأمته باحثاً عن مفاخرها إنها لنعمة كبرى أن نعيش ونشارك هذه الفرحة، بعد أن عمتنا نعمة توجب شكر المنعم سبحانه، هي الاستظلال بمظلة حكمتكم، وظلال عدلكم. ويا أيها الشعب المحظوظ ومبغضكم منبوذ ملفوظ ان المستعرض لأسلوب معالجة المعترضات من المشاكل والتحديات الأوائل كان لابد مدركاً هذه النتائج يا خادم الحرمين. إن قيادتكم للسفينة في خضم تلاطم الأمواج إنما تنم عن شجاعة فائقة وحنكة بالغة وحكمة قد استوت على عرش قمتها، فإذا بكم كأمهر ربان قد بلغتم بها شطآن الأمان، وقد رست بمرساها رغم العواصف والدخان من حولنا، وإن هذا لمبعث سرور وداعي فخر وشعور بشموخ وتفوق لكم ولشعبكم الكريم، ونحن معه ومنه يفرحنا ما يفرحه ويسعدنا ما يسعده ونذود عنه وندافع عن غاياته ومقاصده بأنفسنا ودمائنا ونحميه مما نحمي منه أرواحنا وأبنائنا وأعراضنا. إن التقدم المذهل والممتد على كامل خريطة الوطن وعلى كل جهة وجبهة منه والأخذ بأسباب الترقي في كل النواحي لصعب على المعدد وفق قدرته ان يستعرض ويعدد تلك الصفحات المنيرة مما كان حلماً ثم أصبح حقيقة ومثالاً، ولنتناول أمثلة لا حصراً نتحدى بها من أراد التحدي فما كان في مجال العلم والتعليم وعدد المدارس والمعاهد والجامعات ومرتاديها وطلابها وبلوغها السبق على كل من سبقها من حولها ومحيطها بل وتخطيها إلى سبق كثير منها حول العالم، وهو إن شئت من حيث أبهة المبنى وجماله إلى اعداده وتجهيزه بمعامله ومختبراته ومكتباته إلى توفير أسباب المعرفة والمادة العلمية وحشد النابغين والعلماء وتهيئة أسباب المعرفة والبحث وتوفيرها وتوقيرها في شتى المعارف والمجالات، وهل يستطيع المعدد ان يعدد ما كان في مجال العناية الصحية وبناء المستشفيات وتجهيزها بالمعامل والمختبرات والأدوات والمعدات والكوادر البشرية العالية حتى تفوقنا على كثير ممن سبقنا، وحزنا مراكز مرموقة وحتى سعت الينا دول في ذروة التقدم العلمي والطبي فبعثت لنا بمواطنيها فانجزنا عمليات معقدة للغاية وفي ذروة التفوق المهني كفصل التوائم ولله الحمد والمنة. وأما الطرق والمواصلات فمن يستطيع أن يحصي فليبدأ من تحت الأرض وانفاقها مروراً بوجهها إلى التحليق في السماء بأوسع شبكات تعم الوطن وتربطه بالعالم كافة.. ثم إلى الصناعة والزراعة فأهلاً بكل متحد منصف، وأما الظالم المحرف فإن الحقائق النواصع تكفينا الرد عند التحدي، ثم المظلة التأمينية والرعاية الاجتماعية فمن يستطيع أن يجارينا ويفاخرنا وقد شملت كل من عاش على تراب هذا الوطن حتى شملت المعدمين والمسجونين فرعت أسرهم حتى لو كانوا من المقيمين، بفضل رعاية الدولة وحب الخير في نفوس هذا الشعب، ولمن أراد أن يرى فليقل الحق حين يرى. وأما مجال الكهرباء والطاقة فهل من منكر وقد امتدت منافعها وشبكاتها كل شبر وقرية وتجمع، قل أو كثر بعد أن غطت كل مدينة صغرت أو كبرت وغذت المصانع وتخللت المزارع وأنارت الجوامع والشوارع وامتدت أعمدتها إلى أقاصي الطرق، وكل حدود الوطن، ثم الحق بهذا طفرة كبرى في الادارة والتنظيم والحكومة الالكترونية والمعرفة في مجالها لكل ابناء الوطن مع القيام بحماية الشباب والبنات من الانزلاق في مزالق الفتن، وكل هذا دون ضجيج ولا تصريح كما هو حادث من حولنا، ثم لتمتد بصيرة وبصر المنصف إلى مظلة عدالة تحكم بشرع الله بعد أن وفرت لها الأبنية المتسعة المريحة المجهزة بأعلى متطلباتها مع توفير كوادر العاملين والفنيين والعلماء لتحقيق درجة من العدالة فائقة، والعمل وفق شرع الله فالكل فيها سواء وإليها مطمئن.. ثم ما لحق بالقطاع الخاص متواكباً مع الحكومي في المجالات التجارية أو صحية أو تعليمية أو بنكية وشملها من تقدم مذهل وقفزات من السفح إلى القمة، وكذا السياحة الداخلية وما لحق بالمشاعر والمناسك وما شملها لا يخفى على قريب أو بعيد، وتحت نظر وملمس كل حاج أو ناسك أو زائر ومعتمر مما يحتاج إليه ومن أسباب الراحة والعناية في كل الشعائر والمشاعر، شاملة السكن والمواصلات والاتصالات والمياه وتوفير الغذاء وما القطار المفخرة عن حديثنا ببعيد، إلى التنظيم والأمن والرعاية والعناية والامداد بالكوادر البشرية الأمنية والصحية والعلمية والإرشادية المدربة تدريباً راقياً، ثم هل بعد هذا من متحد لأبهى صورة من صور ما يسمونه بالديمقراطية التي تعلو على ركائز حقيقية من شورى الإسلام في بساطه معجزة، ومقعد ومعجزة لمن يريد السباق فضلاً عن اللحاق. من وأنا رجل مقيم شهدت هذا ورأيته وأنا وغيري يستطيع بلا قيود أو موانع أن ألقى أي مسئول أو أمير أو وزير فاعرض مسألتي دون أدنى تعقيد، فأجد البشاشة والاهتمام وسمع ووعي حتى تحل مشكلتي، أو يجاب مطلبي، أو يوضح ظني في سرعة مذهلة وبساطة وتواضع تقدمها في غير هذه البلاد.. وتفتقر إليها كثير من بلاد صدعتنا بكلامها عن الديمقراطية، ولقد لمست هذا بنفسي في مجلس سمو الأمير المعلم سلمان إبان توليه إمارة الرياض وهو كذلك ملموس مع كل أصحاب السمو الأمراء أو المسئولين والوزراء.. ثم أقفز معي لندخل مجال رعاية العباد وحماية البلاد داخلياً وخارجياً وما وصلت إليه البلاد من نتائج جبارة حققت أمناً وأماني وأماناً فأصبح بها المواطن والمقيم بل والزائر المار آمناً على دينه ونفسه وماله وولده، ما رعى ربه واستقام على دربه ولم يخالف قوانين البلاد، وعادات العباد ولسوف تجد بعد هذا أيادي المساعدة تمتد من قلب الوطن لتحمي وتساعد وتساند حتى من يمتون بصلة ولو بعدت، فتصلهم يد العون بقوة وسرعة وعزة ولو كانوا في آخر الدنيا، وأصقاع الأرض فتحميهم وتمنعهم من كيد أو حقد أو لص وطامع. وحتى لو وقع خطأ أو زلة قدم فإذا به وسط المحنة تأتيه المنحة والعفو والسماح ما استجاب واستقام لتنتشله من الهوة وبراثن الخبثاء، فتعيده إلى أمان الأوطان وبر الأمان ثم إلى مجال الرياضة ورعاية الشباب فهل من منافس بعد ما رأينا سرعة رقي الفرق السعودية وبروزها على الساحات العالمية، بعد توفير الامكانات والملاعب والتجهيزات والأبنية مع كوادر التدريب بلا حساب وبأعلى المقاييس العالمية فهل غير أن يصمت المتحدي، ثم ما كان بروز أكبر ونجاح أعظم في ساحات الابداع والمهنية الصحفية والمطبوعات، وما حازته من حرية فكر ونزاهة رأي والتزام جيد والدقة في النشر وتحري الخبر وتتبع مواقع شكوى والمواطن والمجتمع حتى الازالة والتصحيح.. ثم هذا الرخاء والوفرة التي قامت بكل متطلبات المعيشة مع أرقى مستويات الجودة ومراقبة وضبط الأسعار وتفوق الدخول وهي تحمل كل من مشى على تراب هذا الوطن، ولو كان عبر سبيل وتمنع جشع أو غش وتنشر رقابة صارمة انه رخاء حقيقي قلباً وقالباً وشكلاً وموضوعاً، ثم هل نظرتم هذا التسامح اللامحدود الذي فتح الحدود لكل بني الإنسان بغير تمييز لعروق أو أديان ما دمت باحثاً عن لقمة عيش شريفة فستجدها هنا ما كنت جاداً راعياً حرمة البلاد والعباد حتى أصبحت المملكة مثالاً يحتذى في التسامح والأثرة ونموذجاً مثير للتقليد وإن استعصى باعثاً للنهضة، ثم هل إلا أن نتوجه بهذه الدبلوماسية الهادئة الرائعة التي كسبت بهدوئها وحكمتها وكتبت بأدبها وقوتها أروع صفحات المجد واقتنصت بهذا حب دول وشعوب العالم شرقيها وغربيها وأجنبيها وعربيها.. ثم هل من مفاخر أخير يستطيع أن ينكر نور قمر الليل وضوء شمس النهار حينما يخرج علينا بطلته وبساطته ليزف «بسم الله وعلى بركة الله» بشرى جديدة من بشائره التي لا تنتهي معنا، طرح وحدة دول مجلس التعاون على بساط التحقيق، وهل من يستطيع أن ينكر البشرى التي غمرتنا سعادة وفخراً بانجاز يتحقق على يديه الكريمتين.. ووالله ان كل خطاك وما حققت وما كان ويكون بمشيئة الله منك لا يقابله إلا حب جموع وملايين أبناء شعبك وشعوب كثيرة ومصر أولها تحبكم ويملأها الفخر والعزة بانجازاتكم ويطالها خير بلادكم ويرفع هامتها ما تراه من مجدكم فتية على شعوب الأرض فخراً وتدعو الله يرعاكم ويصونكم.. يا أيها الملك الصالح.. يا خادم الحرمين وحامي مساجد شد الرحال ومخلص ثالثها غائبها ومحرره وضامه إلى لواء حكمتك وعزة المسلمين بمشيئة رب العالمين. والسلام عليكم ورحمة الله.