يعبرون جسور المدن ويتفيأون إسمنتها انتظاراً لدق ساعة عمل.. كانوا تحت تلك الجسور مجرد أرقام بعد أن دفعت بهم الحرب إلى أرصفة لا تتسع لأحلامهم المنسية. هم عمال سوريون غادروا ديارهم في الأشهر الأخيرة وعبروا الحدود على أمل العثور على عمل يومي لإرسال أموالهم إلى الوطن ولذا يشكل لبنان لهم جسرا للحياة وان اهتزت دعائمه فوق رؤوسهم وتحت اقدامهم. وفي منطقة يكثر فيها العرض والطلب يتراص العمال بأعداد متزايدة وما أن ينادى شخص يمتطي دراجة نارية على أحدهم حتى يعتقدون أن الرزق قد حل على الجميع فيتكوم العديد منهم فوق الدراجة في محاولة يائسة للحصول على فرصة لكسب بضعة دولارات حتى تكاد الدراجة تختفي مع سائقها تحت اكوام من الأجساد. من الفتى البالغ من العمر 13 عاماً إلى كبار السن من الرجال يمثل هؤلاء العمال الأسر الفقيرة في مناطقهم الريفية التي نزحوا منها في سورية التي تعاني وطأة أزمة اقتصادية متفاقمة جراء 14 شهراً من الاحتجاجات ضد بشار الاسد. يقول محمد محو البالغ من العمر 23 عاماً من القامشلي شرق البلاد ولديه ثلاثة أطفال "الأسعار ارتفعت في بلدنا ولم نعد نستطيع أن نشتري حتى ربطة الخبز. كدنا أن نموت من الجوع فاضطررت إلى المجيء إلى هنا للعمل في أي شغل كان." ويضيف قائلا "كلنا كنا نعمل كفلاحين ولكن الفلاحة لم تعد تكفي الآن. الناس لا تستطيع أن تذهب لتزرع أراضيها الآن فهي تخاف من كل شيء. أصبح لي هنا أربعة أشهر ولم أستطع أن أرسل شيئا لأطفالي." السوريون الذين كان يعملون يومياً في حلب ودمشق توقفت مشاريع البناء في بلادهم. ويقولون إن أسعار المواد الغذائية الاساسية تضاعفت إلى ثلاثة أمثالها تقريبا. وعلى مدى سنوات احتضنت بيروت العمال السوريين باعتبارها مدينة تكثر فيها مشاريع البناء وورش الاعمار ورافعات البناء لاعادة الإعمار في بلد عانى من ويلات حرب أهلية دارت بين العامين 1975 و1990. لكن مع ذلك فإن العديد من السوريين يكافحون للحصول على فرصة للعمل في ظل وجود فيض من مواطنيهم العمال الذين تدفقوا إلى البلاد. ولا توجد أرقام رسمية ولكن أحد العاملين في مجال الاغاثة يقول إن نحو 20 الف سوري تدفقوا على بيروت بعد اندلاع الصراع في سورية. ويقول العمال أن أجورهم انخفضت بنسبة خمسين في المئة. ويسعى العمال الآن لكسب نحو 10 دولارات إلى 15 دولارا في اليوم لكن معظمهم يأمل بأن يكسب أي شيء. ويكتظ العمال السوريون في الأزقة المتهالكة في المناطق الاكثر فقرا في بيروت حيث الهواء معبق برائحة مياه الصرف الصحي ويعيش العشرات في غرفة واحدة تغطيها الفرش الاسفنجية. وبالنسبة لكثير من هؤلاء الرجال فإن لبنان لا يوفر حتى ملاذا من الخوف الذي خلفوه وراءهم. فالبعض يخشى أن رجال المخابرات السورية يتجسسون عليهم.