تشهد الساحة السياسية في الجزائر حالة تململ كبيرة منذ إعلان الداخلية النتائج الأولية لانتخابات 10 ماي - آيار الجاري وتأكيد المجلس الدستوري فيما بعد نتائج نهائية رسمية كرّست هيمنة الحزب الحاكم "جبهة التحرير الوطني" على مقاعد البرلمان للخمس سنوات المقبلة بمجموع 221 مقعدا من مجموع 462 مقعدا. وتصنع حالة التململ أحزاب كبيرة وأخرى صغيرة خيبت آمالها الصناديق وترى في النتائج الهزيلة التي حققتها أنها مزوّرة وغير معبّرة عن تمثيلها الحقيقي في الأوساط الشعبية و هذا في وقت ينتظر الشارع الجزائري الإعلان عن الطاقم الحكومي المقبل الذي يشّكله رئيس بوتفليقة ويطبّق برنامجه حسب الدستور الحالي الذي يتبنى النظام الرئاسي وليس النظام البرلماني الذي يمنح الأغلبية البرلمانية حق تشكيل الحكومة. و يستعد 12 حزبا سياسيا شارك في التشريعيات للاجتماع السبت المقبل في مكان لم يتم تحديده بعد للاتفاق على ما يمكن اعتباره "أرضية توافق سياسي" سترفع مطالبها إلى الرئيس بوتفليقة، القاضي الأول في البلاد الذي وعد الطبقة السياسية وقبلها الجزائريين في الخطاب التلفزيوني الذي أعلن فيه استدعاء الهيئة الناخبة في 9 فيفري / شباط الماضي بتوفير ضمانات نزاهة الاقتراع. و حسب المعلومات المتوفرة ل "الرياض" فإن الاجتماع الذي تشارك فيه أحزاب لها وزنها في الخارطة السياسية على غرار "جبهة القوى الاشتراكية" لزعيمها حسين آيت أحمد و"حزب العمال" للمترشحة السابقة لرئاسيات 2004 لويزة حنون و"حركة مجتمع السلم" لزعيمها وزير الدولة السابق أبو جرة سلطاني "وحزب العدالة والتنمية" لزعيمه عبدالله جاب الله، و"الجبهة الوطنية الجزائرية" لزعيمها موسى تواتي و"جبهة التغيير" لزعيمها عبد المجيد مناصرة، سيقرّر من بين أهم ما يقرره الدعوة إلى مقاطعة البرلمان المقبل وعدم الالتحاق بجلسة التنصيب الرسمي للنواب الجدد ومطالبة بوتفليقة إلى فتح تحقيق في الطريقة التي سارت بها الانتخابات والاتفاق والدعوة إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية لا تكون الغلبة فيها للحزب جبهة التحرير. وبدأت الأحزاب الغاضبة في الطعن في شرعية البرلمان المقبل مباشرة بعد إعلان الداخلية نتائج التشريعيات و تقول أن الأصوات التي حصل عليها الحزب الحاكم 3, 1 مليون صوت منة مجموع 6 ,7 ملايين صوت تم احتسابه ليست كلها أصوات قاعدته الشعبية بل هي نتيجة نظام انتخابي سمح لأزيد من 44 حزب بالمشاركة، نصف هذه الأحزاب مجهرية، لم تتمكن من تحقيق نسبة %5 من الأصوات التي تمكّنها من افتكاك مقاعد في البرلمان، حيث يستفيد مباشرة من هذه الأصوات بموجب المادة 87 من قانون الانتخابات الجديد الحزب الأقوى والأهم في الدائرة الانتخابية وهو ما حصل لحزب جبهة التحرير . وترى حسابات المراقبين أن امتناع 12 مليون ناخب عن التصويت من مجموع 21 مليون ناخب مسجل في القائمة الانتخابية وبلوغ عدد الأصوات الملغاة أكثر من 7, 1 مليون صوت وهو عدد يفوق بكثير الأصوات التي تحصل عليها الحزب الحاكم ينقص من شرعية البرلمان المقبل الذي ستوكل له مهمة تعديل الدستور وهو ما قد يدفع الرئيس بوتفليقة إلى اللجوء إلى الاستفتاء الشعبي مطلع العام 2013 لإقرار التعديل. وكان التيار الإسلامي قد طمع في افتكاك مواقع ريادية هامة في البرلمان المقبل و تشكيل حكومة تكون غالبية حقائبها الوزارية لهم فقط، لكن ما أفرزته الصناديق، أي حصول الإسلاميين مجتمعين على 59 مقعدا مقابل 226 مقعدا حصدها الحزب العتيد "جبهة التحرير الوطني" في مجلس نيابي يتسع ل 462 مقعدا، خيّب الظنون و جعل زعامات التيار الاسلامي يصيحون بأعلى أصواتهم أن تزويرا غير مسبوق طبع تشريعيات 10 ماي. ولا يكشف التيار الإسلامي عن خطته للتصعيد، ويكتفي بإطلاق تصريحات ساخنة تنذر بالتعفين، أخطرها تلك التي صدرت عن عبد المجيد مناصرة زعيم "جبهة التغيير" الحديثة التأسيس عندما قال للصحافة أن السلطة "ضيعت فرصا للسلم"، حيث يرفض مناصرة النتائج التي أعلنتها الداخلية و يستصغر ال 4 مقاعد التي تحصل عليها حزبه ويقول إنها "مغايرة للواقع"، ومثله يهدد أبو جرة سلطاني زعيم "تكتل الجزائر الخضراء" ( 48 مقعدا ) ويدعو مناضليه إلى "البقاء على استعداد للربيع الجزائري المؤجل" وكان سلطاني قبلها هدد ب "إسقاط كل حكومة لا تكون على رأسها حمس إذا فازت بأغلبية البرلمان المقبل'' ولم يختلف عنهم المترشح السابق للرئاسيات، الإسلامي المتشدد عبدالله جاب الله، زعيم الحزب الإسلامي الجديد "حزب العدالة والتنمية" الذي تمكّن خلال المؤتمر التأسيسي لحزبه أن يجمع مئات الآلاف من المناضلين في أكبر قاعة بالعاصمة الجزائر هي القاعة البيضاوية بالمركّب الأولمبي محمد بوضياف، لكنه لم يظفر سوى ب 7 مقاعد، ويسعى جاب الله الذي تأمّل الفوز ب 80% من المقاعد إلى زعزعة كيان البرلمان المقبل بدعوة الأحزاب التي خيبتها مثله الصناديق إلى "الانسحاب الجماعي" من البرلمان بدعوى أن التشريعيات لم تكن سوى " "مسرحية انتخابية" وأن السلطة "أغلقت الباب أمام التغيير" وأنه ّ لم يبق أمام الذين يؤمنون بالتغيير سوى الخيار التونسي.