تتكرر عبارة أن كل واحد في هذا العالم سيحظى ب 15 ثانية من الشهرة في حياته، والحقيقة أن قائل هذه العبارة لم يقل 15 ثانية، بل 15 عشرة دقيقة ! ويبدو ذلك التوقع دقيقا اليوم، وبطرق مختلفة بالتأكيد، رغم قدمه. العبارة للممثل الأمريكي آندي وارهول ، والذي قال سنة 1968م " في المستقبل، كل أحد سيصبح مشهورا عالميا لمدة 15 دقيقة" كون العبارة جاءت قبل اختراع الإنترنت، يجعلها ضربا من ضروب الهلوسة آنذاك، لكنه اليوم أكثر من واقع، بل ربما واقع سيىء في بعض المواقف. لن أتحدث عن إيجابيات هذا الواقع التي لا تحصى على صعيد تعبير الجماهير عن نفسها وهمومها، ودعم حقوق الإنسان، وكشف الانتهاكات التي يتعرض لها البشر.. لكن سأشير إلى التكلفة الباهضة لهذا الواقع لبعض الأفراد؛ فعبر الإنترنت أصبحت تكلفة الشهرة غالية أحيانا، فكونك قادرا على كتابة أي شيء في أي لحظة، ونشرها جماهيريا خلال ثوانٍ معدودة، كفيديو مصور، أو عبارة مكتوبة في موقع تويتر، أو مقالة عبر موقع شخصي للتدوين، جعل المسألة بالغة الخطورة إذا تخيلنا أن هذا يحدث وفق صورة كاريكاتورية أحيانا. لنا أن نتخيل أمرا، في السابق، وفي كل حي، هناك شخص "خبل" أو قليل عقل، أو ما يسمى باللهجة الدارجة "صحيّح" هذا الإنسان، والذي كان الجميع في الحي - قبل تضخم المدينة – يعطف عليه، ويحاول ستره، ومداراته، أصبح اليوم قادرا على الكتابة في مواقع عالمية، أو تصوير فيديو لنفسه وهو يتحدث في أي قضية من قضايا الحياة، ونشرها جماهيريا، أو ينشىء حسابا في الفيس بوك أو تويتر، وقد يتابعه الآلاف للسخرية والنيل منه أو أي اعتبرات أخرى! الإنسان في تقلباته اليومية قد يقول انه يفعل أشياء حمقاء، وسائل التواصل الاجتماعية جعلت هذا العارض الذي نخجل منه، متاحا للجميع، إذا عبرنا عنه عبر وسائط الإعلام المتعددة الحديثة.. هذا ما يفسر أن أغلب المشاهير في تلك العوالم اليوم، إما أشخاص مبدعون حقا، وقاموا بأعمل استثنائية ومختلفة، أو رصينة فنيا أو فكريا، أو آخرين ارتكبوا حماقات يتابعهم آلاف البشر للنيل منهم. إمكانية التعبير اللحظية دون مراجعة وتأنٍ قد تلقي بصاحبها إلى المهالك، فلا يوجد اليوم أي وسيط بين أي أحد وبين النشر للجماهير، كل ما هنالك كلمة "أرسل" ويصبح ما صورته أو كتبته متاحا للملايين. لكن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، فالشهرة تتحدى الملل أيضا! في "التايم سكوير" أشهر مكان في نيويورك وربما العالم، هناك من يحظى بالشهرة، لا ل 15 دقيقة، بل ل 15 ثانية. فبجانب الإعلانات التي تملأ المكان، وكأن السياح من أرجاء الأرض قاطبة جاءوا إلى المدينة، وهذا المكان، لمشاهدة الإعلانات التجارية ! تجد على أحد الجوانب مساحة كبيرة تعرض صوراً لأشخاص محظوظين، إعلانا لإحدى العلامات التجارية، التقطت الصورة لهذا الغرض، العرض في المكان الأشهر عالميا، ليتمتع الشخص "الذي لا نعرفه!" ببعض الشهرة العابرة ! فتجد بعضهم يقومون بحركات مضحكة أو حميمية أو يظهر بشكل غريب، ليحقق ثواني الشهرة تلك.. تتعدد طرق الشهرة اليوم، لكن الأهم بالتأكيد بماذا تشتهر !