هناك من يهوى صناعة التعاسة لنفسه وللآخرين من حوله. وكل إنسان يستطيع ان يفعل ذلك. كل ما عليه هو أن يختار ان تكون أولوياته في الحياة البحث المتعمق عن السلبيات والنواقص في كل شيء، وان يفعل ذلك في كل يوم، وفي كل مكان. رجل كبير السن ظهر في مقابلة تلفزيونية مع مذيع مشهور، وكان يتحدث بكل وضوح وبساطة تعبر عن شخص سعيد أبهر الجمهور ومعهم المذيع الذي سأله في النهاية عن سر سعادته. الرجل أجاب بأنه لا يملك سراً لسعادته ولكنه عندما يستيقظ في الصباح يكون أمام خيارين، أن يكون سعيداً أو العكس وهو يختار الخيار الأول. طبعاً، الأمر ليس بهذه البساطة. الإنسان لا يمكن ان يتحول بضغطة زر من ظروف صعبة تحرمه من السعادة إلى إنسان سعيد. أصحاب الظروف الصعبة، أولئك الذين يجدون أنفسهم محاصرين بمشكلات إنسانية، وضغوط نفسية ناتجة عن مشكلات الحياة، فإن أملهم الا يفقدوا الأمل، وان يتمسكوا بالصبر والإيمان، والعمل والتفاؤل. أما الذين ظروفهم جيدة ويبحثون بأنفسهم عن التعاسة فهم أبطال هذا المقال، وكذلك من يصنع التعاسة للآخرين. تشمل هذه الفئة من يترفع في تعامله مع الناس معتقداً ان منصبه الوظيفي يحتم عليه ذلك. وتشمل (المربي) الذي ليس في قاموسه ولا في ممارساته شيء يسمى التفكير الايجابي، والبحث عن الايجابيات من أجل تعزيزها، هذا الإنسان يتعامل مع الناس بمبدأ الشك وبالتالي فإن أحاديثه وتوجيهاته هي دائماً في إطار التحذير، والوعيد، والنقد، وإبراز الأخطاء، وتضخيم السلبيات. وصاحبنا هذا قد يجد الناس في اجتماع خيري ثم يفاجئهم بأن عملهم ناقص، وأنه كان يجب عليهم ان يفعلوا كذا، وكذا، (لاحظ أنه لم يبدأ بالايجابيات) كما تشمل تلك الفئة الإنسان الأناني، والظالم، والبخيل، والمتطرف، والعنيد، والانتهازي، والديكتاتور، والارهابي، وغيرهم من صانعي التعاسة. ورغم وجود تلك الفئات التي تعمل ضد سعادة الإنسان، فإن الإنسان المؤمن المتفائل صاحب الإرادة يستطيع ان يتغلب على الظروف الصعبة. المهم الا يكون مصدر تلك الظروف من داخل نفسه. الثقة بالله، ثم الثقة بالنفس هما خير سند للإنسان للتغلب على أسباب التعاسة. الحياة لن تخلو من صانعي التعاسة ولكن أقوى أعدائهم هو عدم اليأس، وعدم الاستسلام. في المفاضلة من أجل حقوق السود في أمريكا روى مارتن لوثر كينج في إحدى خطبه في سجن «بيرفنجهام» قصة سيدة سوداء تبلغ من العمر (72) عاماً والتي كانت تسير مسافة طويلة كل يوم خلال مظاهرات مقاطعة المواصلات وكانت منهكة ومتعبة جسدياً فسألها أحدهم عن السبب وراء مواصلتها دعم الاحتجاج السلمي وكانت اجابتها «قدمي تعبت ولكن روحي مستريحة». وبتلك الروح حصل السود على حقوقهم المشروعة. وبتلك الروح ينهزم صانعو التعاسة. ولكن بعد كل ما تقدم لا بد ان نتذكر ان أخطر صانعي التعاسة هو الموجود في داخلنا.