يمثل الارتقاء بالخدمات الصحية هاجساً كبيراً لدى «وزارة الصحة»، وقلقاً أكبر من المستفيدين من تلك الخدمات، في وقت لا يزال برنامج «التأمين الصحي» غير مُطبق للمواطنين، وحتى إن اقترب تنفيذه، فيجب أن تكون الخدمات الطبية المقدمة في شتى محافظات المملكة ومدنها على مستوى يقابل الأموال التي تجنيها شركات التأمين صحياً على الأفراد، ولكن ذلك لن يحدث من دون تغيير واقع العمل الصحي من خلال دراسة مستفيضة وكافية لتلافي سلبيات التطبيق. لا يمكن التطبيق بدون تقنية معلومات شاملة والحكومة لن تدفع الفاتورة مرتين بنية تحتية في البداية، يرى «فؤاد المشيخص» صاحب مكتب خدمات عامة، أن البنية التحتية لعمل شركات التأمين غير كافية، مشيراً إلى أن صحة المواطن بكل مستوياتها من مسؤولية الدولة، بيد أن «التأمين الصحي» على المواطن وفقاً لآليات عدة، يوصلنا إلى الهدف المنشود من قبل الجميع، موضحاً أن العمل وفقاً لآلية التأمين يتطلب تغيير الطريقة الحالية عندما يتعالج الفرد مباشرة، مبيناً أن لدينا تجربة خاصة بالتأمين الصحي على العمالة عبر «مجلس الضمان الصحي». وقال:»لو عدنا إلى نسبة الشكاوى الموجودة بمجلس الضمان الصحي، وهي تجربة نراها أمام أعيننا بالنسبة لغير السعوديين نتوصل لنتيجة مفادها أن ما هو مؤمن عليه تحت عنوان بسيط (الصحة الأولية) لا تفي بالغرض الطبي إن تم تجاوز هذا العنوان؛ لوجود تعقيدات كبيرة جداً لا يصل إليها المؤمن عليه، ما يؤدي إلى عدم وصوله للعلاج بطريقة سهلة، وهذه الأنظمة إن لم تتغير، فستكون نفس هذه المشاكل على المواطن في حال تم تأمينه»، مؤكداً عدم جاهزية شركات التأمين التقليدية العاملة حالياً في المجال؛ لكونها لا تتمكن أصلاً التزام ما أسند لها من اتفاقيات على مستوى المعالة المؤمنة لديها. تقديم الخدمة الطبية وفق أعلى جودة أبرز مطالب المستفيدين حلول عملية وأكد «سعود الدوسري» عضو اللجنة الصحية في الغرفة التجارية الخبير بشؤون التأمين، ضرورة تأجيل إقرار التأمين الصحي على المواطنين؛ حتى توجد حلول عملية تتلافى المشكلات الناجمة عن التأمين، مشيراً إلى أن عمر التأمين في المملكة لا يتجاوز الخمسة أعوام، ومن هنا تأتي التوجيهات بالتريث قبل تطبيقه؛ نظراً لأن دولاً متقدمة لا تزال تعاني سلبيات في التأمين الصحي، وتسعى جاهدة إلى حلها منذ عشرات السنين، ما يعزز أهمية التريث ودراسة الموضوع بشكل واف. فؤاد المشيخص وقال: «إن مقدمي الخدمة ممثلون في المستشفيات والمراكز الصحية، وشركات التأمين تحتاج إلى وقت كي تكون في المستوى المطلوب لتقديم خدمات التأمين الصحي، كما توجد شكاوى من شركات التأمين على مقدمي الخدمات الطبية في المستشفيات، أو في المراكز الصحية، وأيضاً من المستشفيات على شركات التأمين، وكذلك من العمالة على مقدمي الخدمة، والشركات، حيث إنه مُطبّق منذ عدة أعوام على العمالة المقيمين، ما يستدعي ابتكار آليات تحل كل هذه الإشكالات». وحول المواطنين الذين لا يعملون في القطاع الخاص ولا يحصلون على تأمين صحي من الشركات، توقع تقديرياً أن يكون عددهم لا يتجاوز 350 ألف مواطن، ما يعني أن هناك فارقاً بين القطاعين، مشيراً إلى أننا إذا قارنا عدد سكان المملكة بقُراها وهِجرها فلن نتمكن ضمن البنية الحالية من صنع تأمين مثالي، نظراً لأن بعض المحافظات لا توجد بها مستشفيات كبيرة يمكن أن تستوعب خدمات التأمين الصحي للمواطن، مستشهداً ببعض محافظات المنطقة الشرقية. وبيّن أن ميزانية «وزارة الصحة» ضخمة على مستوى الشرق الأوسط، بيد أن الخدمات الطبية غير مرضية إلى حد ما، منوهاً الخدمات الطبية تستدعي أن تتحول المستشفيات الحكومية لما يشبه مستشفيات القطاع الخاص من ناحية نظام العمل، مشدداً على أن مسألة الإنفاق بالنسبة للدولة ليس هو المعيار، بل الجودة، ذاكراً أن الأمور لا تقاس أن التأمين أرخص للدولة - بمعنى أنها ستنفق نحو 19 مليار ريال سنويا في وضع التأمين، بينما هي تنفق حاليا نحو 70 مليار ريال قبل تأمين المواطنين، لافتاً إلى أن الخدمات الصحية ينبغي أن تقدم بشكل مثالي ليس على أساس السعر، بل الجودة، خاصة أن الدولة ملتزمة بالصحة والتعليم أن يكونا مجانين على المواطنين، مشدداً على أهمية الاستمرار في تقديم الخدمات المثالية المرضية بغض النظر عن دافع التكاليف ومقدارها. سعود الدوسري وأضاف أن المواطن لا يهتم بقيمة التكلفة بقدر ما سيهتم بالجودة، سواء أُنفق 19 مليار أو 70 فالمهم هو الخدمة الطبية، ما يعني أن شركات لن تستطيع الإيفاء بتعهداتها، عندما تأخذ الأموال من دون التمكن من تقديم الخدمات المطلوبة. غموض خدمات ويرى «سعيد العمير» أن شركات التأمين تريد أن تجمع أموالاً من أجل التأمين الصحي، من دون تقديم عروض حقيقية تخدم المؤمن عليه، معتبراً أن تطبيقه حالياً غير مجد، من دون تحديد مستوى خدمات مميز وواضح، مبيناً أن مستوى الخدمة في المستشفيات الحكومية غير مؤهل للوصول إلى مرحلة التأمين الصحي على أرض الواقع، مشيراً إلى أهمية تقديم الخدمات على أساس الحاجة الحقيقة التي تُعرف من خلال الدراسات والأبحاث الجادة وليس التجارية. تمويل خدمة ويرى وزير الصحة «د. عبدالله الربيعة» خلال حديث سابق ل «الرياض» أن التأمين ليس تقديم خدمة، وإنما تمويل خدمة، وأن كثيرا من الناس يخلطون بينه وبين تقديم الخدمة، مبيناً أن التأمين يختلف من دولة إلى أخرى في كيفية التطبيق، فمثلاً في بعض الدول على نمط الولاياتالمتحدةالأمريكية طبقت «التأمين التجاري، وهي شركات التأمين كوسيط، ثم القطاع يكون قطاعاً خاصاً، موضحاً أن الخدمة ارتفعت، حيث يُصرف هناك (19٪) من الناتج القومي، ويُصرف على المواطن ثمانية آلاف دولار، ونسبة عدم الرضا في أمريكا تقريباً (40٪)، منوهاً بحدوث تراجع في بعض الدول عن هذا النمط؛ لأنه مرهق اقتصادياً ويصعب الاستمرار فيه، والنمط الثاني هو «التأمين التعاوني»، وهو وسيلة صندوق تمويل». وقال: «إن التأمين التعاوني يكمن في النموذج الكندي، حيث يأخذ من الدولة ومن المواطن، ويكون تمويلاً للمستشفيات الحكومية، وكندا لا يوجد بها مستشفى خاص، وجميع مستشفياتها حكومية وتمول من الصناديق، وعندما تطبق الرعاية الصحية بمفهومها الصحيح، سيرتفع مستوى التأمين من (1200) ريال إلى (4000 - 5000 - 6000) ريال، وبحساب بسيط لو ضربتها ب (27) مليوناً أو ب (20) مليوناً ستصل إلى (100) مليار ريال». وأشار إلى أن السؤال الأهم يكمن في من سيدفع فاتورة التأمين، لأن الحكومة لا يمكن أن تدفع الفاتورة مرتين، وإلاّ وجهنا ميزانية الدولة كلها للقطاع الصحي»، ذاكراً أن الوزارة استقدمت بيوت الخبرة، وعلى اختلافها الأمريكية أو الكندية والأوروبية، وأكدت على عدم الأخذ ب «التأمين التجاري»؛ لأن هذا النظام غير مجد اقتصادياً»، مبيناً أن المقام السامي كان له مرئيات واضحة، بحيث إن «وزارة الصحة» مع مجلس الخدمات الصحية ومجلس الضمان الصحي يعقدون دراسة لمدة خمس سنوات، موضحاً انهم استضافوا بيوت خبرة كثيرة حتى توضع رؤية متكاملة، متفقاً مع مختصي التأمين، من الناحية التقنية، إذ لا يمكن تطبق نظام تأمين من دون تقنية معلومات، والمعلوم أن البنية التحتية في وزارة الصحة لا توجد تقنية معلومات متكاملة.