يجهل كثيرون ماهية مصطلح "العلاج الأسري" وأهميته في حياتنا الأسرية، لاسيما في ظل قلّة الاهتمام بتأهيل كوادر تحت مسمى "معالج أسري"، على الرغم من وجود دراسة أجريت على مستشفيات حكومية بمدينة الرياض تفيد بوجود ما نسبته 38,7% تقريباً ممن يمارس المهنة من غير المتخصصين في الخدمة الاجتماعية، علماً أن غالبية مفردات العينة وعددهم 164 مفردة وبنسبة 90,65 ذكروا أن لديهم في مجال عملهم ميثاقا أخلاقيا لممارسة المهنة، في مقابل 17 مفردة وبنسبة 9,4% أشاروا إلى أنه لا يوجد ميثاق أخلاقي يلزمهم بالتقيد به في مجال عملهم. "الرياض" عبر هذا التحقيق تسعى إلى تعريف مفهوم "العلاج الأسري" وأهميته في المجتمع، بحيث يصبح اللجوء إليه عند الضرورة طبيعياً في حياة كل أسرة. نمط علاجي في البداية، أوضح "محمد بن عبدالرحمن القصير" - مستشار أسري - أن "العلاج الأسري" نمط من أنماط العلاج، وفيه يوجّه الاهتمام إلى الأسرة ككل، أكثر من كونه موجهاً نحو فرد معين، مؤكداً على أن يعمد إلى تغيير بعض الجوانب المؤثرة في قدرة الأسرة على تنظيم وإدارة شئونها، فهو يسعى إلى تحقيق توازن واستقرار نسق الأسرة، وفي نفس الوقت، يكون هذا النسق مرناً وقابلاً للتغيير وفق ما تتطلبه احتياجاته. وقال:"إن العلاج الأسري يأخذ أسلوب المقابلات المشتركة، بحيث تضم جميع أفراد الأسرة، أو الأفراد المعنيين منها حسب ما يقتضيه الموقف، فالمحاكم الشرعية مثلاً هي من أكثر المجالات التي يمارس فيها الأخصائي الاجتماعي دوره كمعالج ومُرشد أسري ومفاوض، حيث يجتمع الأخصائي هنا بأفراد الأسرة كلٌ على حدة، ثم بهم جميعا، وإذا تعذر الصلح وحل المشكلة يتم تحويلهم للمحكمة"، مبيناً أن العلاج الأسري هو إرشاد يهدف للوقاية والعلاج وإعادة التأهيل، ويلجأ له كل من لديه مشكلة أسرية أو تحد أمامه يعيقه عن القيام بوظيفته في حياته. وأضاف أن العلاج الأسري لا يزال مجهولاً عند البعض، ولم يجد اهتماماً كافياً في المجتمع، على الرغم من وجود مادة دراسية لطالب البكالوريوس والماجستير، وعلى مستوى الممارسة في المستشفيات توجد مكاتب الخدمة الاجتماعية بإشراف أخصائيين يمكن لهم التعامل مع المشكلات الأسرية في المستشفى، خاصة من أسر بين أفرادها شخص مصاب بمرض مزمن أو ما شابه، مبيناً أنه أوصى بذلك في بحثه المنشور بعنوان "تصور مقترح لممارسة الخدمة الاجتماعية في المحاكم"، مطالباً بإقرار دبلوم دراسي تشرف عليه "وزارة العدل" مع الجامعات، ويهتم بالعلاج الأسري، ويخرّج أخصائيون قادرون على التعامل مع المشكلات الأسرية بطريقة سليمة، إلى جانب إيجاد تخصص دقيق لمن يمارس هذا العلاج، ويندرج ضمن أقسام كلية الخدمة الاجتماعية في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، على أن يتخصص الطالب بعد السنة التمهيدية الأولى، ثم يتلقى في الثلاث سنوات الأخرى مواد مكثفة مع تدريب ميداني في الإرشاد الأسري بإشراف أخصائيين اجتماعيين وأكاديميين ممارسين وذوي خبرة. محمد القصير أنظمة مهنية وذكرت "جميلة بنت جازع الشهري" - باحثة في قسم الدراسات الاجتماعية يجامعة الملك سعود - أنها سبق أن بحثت رسالةً بعنوان "واقع ممارسة الأخصائيين الاجتماعيين الإكلينيكيين للعلاج الأسري"، وخرجت بنتائج وتوصيات تحث على وجوب إعادة النظر في الأنظمة المهنية لإدارات المستشفيات، فيما يتعلق بممارسة العلاج الأسري؛ وذلك لتوفير بيئة مناسبة لممارسة العلاج الأسري، كتهيئة مكاتب مناسبة وخاصة لمقابلة العملاء، إضافة إلى نشر مسمى "المعالج الأسري" كإسم وظيفي متداول بين الممارسين المهنيين؛ لإيجاد هوية المعالج الأسري المفقودة نوعاً ما في المجتمع بشكل عام، وليس في المستشفيات فحسب، مقترحة إنشاء جهة مختصة تُعنى بالعلاج الأسري، وتستقطب الخبرات المهنية لعمل دورات تدريبية مكثفة للمعالجين الأسريين؛ لضمان تطويرهم مهنياً، بحيث تكون مُخولّة بمنح تراخيص مهنية لممارسة العلاج الأسري للمختصين، وتُعنى بحل الإشكاليات الحالية المتعلقة بممارسة العلاج الأسري. وقالت:"إن توجه الأفراد للعلاج الأسري سيزيد إذا وجدوا فائدة ومردودا، ومتى ما أثبت القائمون على الإرشاد الأسري المتخصصون نتائج إيجابية وفعلية، إضافة إلى المحافظة على سرية الحالات، فإن المجتمع سوف يجد إقبالاً دون تردد"، مشددةً على أهمية دور التوعية بالتعريف أن العلاج الأسري يتعامل مع مشكلات العلاقات والاتصال داخل الأسرة، وتعزيز قناعة أنهم أشخاص أسوياء وليسوا مرضى، حاثةً على التوجه للمستشار الأسري المتخصص، إذ أن بعض مراكز الاستشارات أصبحت ذات أهداف ربحية، وأصبحت منتشرة بشكل كبير على حساب المهنية، علماً أن ذلك لا ينفي وجود مراكز استشارات أسرية تقدم خدمات مميزة من المتخصصين. وأشارت إلى ضرورة العمل بإلزام الممارسين للعلاج الأسري بالميثاق الأخلاقي لمهنة الخدمة الاجتماعية الإكلينيكية، وذلك عن طريق المحاضرات والورش المختصة وسد الاحتياجات التدريبية للممارسين، من خلال تزويدهم بكل ما هو جديد من معايير ومهارات ومعارف نظرية خاصة بالعلاج الأسري وربطها بالميدان التدريبي، مع ضرورة استقطاب مدربين من خارج المملكة ومن داخلها، تحت إشراف مباشر من "وزارة الصحة" و"وزارة الشؤون الاجتماعية"، إضافة إلى إلزام المستشفيات بإيجاد نظام مهني مكتوب يحتوي على جميع اللوائح والأنظمة المتعلقة بكافة التخصصات بالمستشفى ويعنى بحفظ حقوق العاملين والعملاء، إلى جانب توجيه المستشفيات لإنشاء وحدات مختصة بالعلاج الأسري، ومستقلة إدارياً، ويخصص لها ميزانية خاصة، وتخضع لتقويم مستمر من جهة رسمية تُعنى بتقويم الممارسين المهنيين المرخص لهم، مطالبةً بتوعية المجتمع تجاه تقبُّل المعالج الأسري، كطرف مختص بعلاج مشكلات الأسرة، يحرص على تجاوز المحن التي قد تعيق استقرارها ونموها، شريطة أن يتمتع بأخلاقيات المهنة المحتمة عليه المحافظة على أسرارها.