قبل أيام اعترضت البحرية اللبنانية السفينة "لطف الله 2"، وصادرتها في مياه مرفأ سلعاتا وتبين أنها تحتوي على ثلاثة مستوعبات، وفي داخل كل مستوعب كميات كبيرة من الأسلحة الثقيلة والخفيفة، وقد تم توقيف طاقم الباخرة، البالغ عددهم 10 أشخاص، كما تم توقيف وكيل الباخرة الجمركي، ويُدعى أحمد برنارد. إلى هنا والخبر عادي، لا يثير نوعاً غير عادي من الاهتمام، ولا يستحق التوقف عنده كثيراً، فلبنان ساحة مفتوحة لكل شيء، يعيش بلا حكومة، وبعض شعوبه المتعددة والمتناقضة تتصارع فيما بينها على لا هدف، أو رؤية، أو برنامج، ولاءاتها ليست للجغرافيا، والتاريخ، والحرية، والسيادة، والاستقلال كما نسمع من خلال الصخب والصراخ والضجيج الذي تمارسه المنابر السياسية والزعامات الطائفية، وتباشره القنوات التليفزيونية التي تلبس ألوان الأحزاب والتيارات ودكاكين الأيديولوجيا والعقائد السياسية، وكل شيء فيه مباح بفضل فائض الحريات بما فيها حرية القتل، والخطف، والاجتياحات، كما حدث في 7 أيار، ومطار الشهيد رفيق الحريري الذي يقع في منطقة خاضعة للسيطرة الكاملة للحزب الإلهي، أو حزب السلاح الذي أتى بحكومة نجيب ميقاتي، هو مطار يهرب عبره السلاح، والمدربون، وخبراء الحرس الثوري الذين يتقنون فن صناعة المتفجرات، وفن قمع الناس في الجامعات السورية، وساحات المدن، وإعداد الشبيحة، والقتلة. خبر السفينة "لطف الله 2" ليس حدثاً غير عادي في بلد كلبنان، بحيث يأخذ أبعاداً تطفو على سطح الحياة السياسية، بل إن محاولة اغتيال قائد القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع هي أخطر بكثير من مصادرة السفينة، فمن شأن عملية الاغتيال لو نجحت أن تفجر الوضع اللبناني، وتحدث زلزالاً مخيفاً، وتعيده إلى أتون الحرب الأهلية التي لم يتعافَ لبنان من ويلاتها وتداعياتها، وربما كان هذا هو الهدف الحقيقي الذي يعمل له المخططون من خارج الحدود اللبنانية، والمنفذون من الداخل اللبناني. ما يستدعي التوقف عنده هو الكلام البذيء واللامسؤول الذي أطلقه السفير السوري في لبنان علي عبدالكريم علي من قصر بسترس، مقر وزارة الخارجية اللبنانية، بعد اجتماعة بوزير الخارجية اللبناني في حكومة حزب الله عدنان منصور، حيث ساق اتهاماته للمملكة وقطر في موضوع السفينة وأنهما "تقفان مع دول أخرى وراء هذه الأعمال التي تنال من أمن سوريا ولبنان والمنطقة". ممارسات السفير السوري وتصريحاته تمثل البذاءة في أحط أساليبها، وقد أتى من مدرسة الكذب، والدجل، والتضليل، والعهر السياسي، والأخلاقي في التعامل، فهم لا يرون الدماء التي تسيل في شوارع حمص، وحلب، وبابا عمرو، وكل المدن السورية، ولا يرون المنازل يدفن أصحابها أحياء تحت أنقاضها بفعل الآلة الحربية التي دفع المواطن ثمنها من قوت أولاده، ورفاههم لتكون في خط المواجهة مع العدو في الجولان، فإذا بها تصب نيرانها على الصدور العارية الجائعة في الجامعات والمدارس والميادين والساحات، وتقتلهم بلا رحمة. المؤلم أن يطلق السفير السوري هذه الاتهامات والبذاءات من منبر وزارة الخارجية اللبنانية، ثم لا تجد رداً، أو استنكاراً من رئيس حكومة لبنان نجيب ميقاتي، ولا تستدعي الحكومة اللبنانية هذا السفير لتوبيخه لأنه أساء إلى دولة صديقة وشقيقة للبنان، وتلفت نظره بمراعاة الأصول والقواعد البروتوكولية لعمل السفراء. وحده رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، الرجل الذي يتمتع بحكمة الكبار استنكر هذا التصريح، ورفض الإساءة إلى المملكة كدولة وقفت وتقف مع لبنان في سرائه وضرائه.