في سوريا تم تعديل الدستور من أجل تمكين بشار الأسد من تولي منصب الرئيس، في ظل ديموقراطية نادرة يمكن أن نطلق عليها ديموقراطية (جبر الخواطر). أما اليوم فيتم في سوريا التصويت على دستور جديد يصوت عليه شعب محاصر يشيع الجنازات كل يوم. دستور يمدد للرئيس الحالي ويعطيه كل الصلاحيات، ويراد من الشعب المحاصر بالموت ان يصوت للرد على الحاقدين المتآمرين، الامبرياليين، الرجعيين، المتخاذلين، الزاعمين أنهم يمارسون الديموقراطية. مطلوب من شعب تقتله حكومته ان يصفق لهذه الحكومة، وأن يقول للعالم ان المقاومة مستمرة، والنضال من أجل التحرير مستمر (وقد أغفل البيان هل المقصود تحرير الجولان أم فلسطين) مطلوب من الشعب السوري ان يصوت على دستور يعطيه الحق في التظاهر السلمي وهو محاصر ومقتول ومطارد بسبب التظاهر السلمي!! يعتقد النظام السوري ان الاستفتاء على دستور جديد سوف يوجه رسالة إلى الأصدقاء والأعداء بأن سوريا تتغير وأنها تسير في طريق الاصلاح، وهذا اعتقاد يرقى إلى مستوى الأمنيات، فالنظام يتمنى ان تغطي خدعة الدستور على أهدافه الحقيقية، ولكن الشعب يدرك أبعاد هذه اللعبة، كما يدرك العالم ومنظمات حقوق الإنسان والأمم المتحدة أن النظام السوري يحاول استخدام أوراق يرى أنها ستكون مؤثرة مستغلاً أجواء الحرب الباردة، بين الدول الكبرى. ولكن يبدو ان النظام السوري يرفض أخذ العبرة والدروس فكلما سقطت ورقة أخرج أخرى، وبدأت قائمة التهم الموجهة إلى الشعب تنفد فالتآمر الخارجي والقاعدة وأعداء العروبة إلخ تهم لم تعد فاعلة. أما ورقة الدستور فهي خطوة تدين النظام في توقيتها ومضامينها. الاستفتاء على دستور جديد في سوريا هو اهانة للعقول، واصرار على اهدار كرامة الإنسان ورفض حقوقه، وهو أيضاً محاولة من النظام لاستغلال لعبة المصالح الدولية، وتكريس لنظام بوليسي، وتخفيف الضغوط على النظام. نعم، خطوة الاستفتاء على الدستور الجديد تدين النظام، فلا يمكن للمواطن السوري ان يصوت (بنعم) لدستور يرى على أرض الواقع أنه يقدم أسوأ نماذج الديموقراطية على وجه الأرض. كيف يصوت (بنعم) لدستور يحاصره، ويهينه ويقتله ويعمل على تشريده وفوق هذا يقول للعالم أننا سنقدم له دروساً في الديموقراطية. أوضاع إنسانية مأساوية يعيشها المواطن السوري أحرجت حتى بعض أصدقائه، ومع ذلك يطلب من المواطن السوري ان يشارك في الاستفتاء على دستور جديد يعتبره النظام خطوة في طريق الاصلاح وهو في حقيقة الأمر إعلان لتمديد فترة نظام ليس له علاقة تاريخية أو حديثة بالتجديد والتطوير، والاصلاح السياسي، والديموقراطية. وكما عدل الدستور القديم من أجل خاطر بشار، يأتي الدستور الجديد أيضاً لتحقيق نفس الهدف، فهو دستور (جبر الخواطر) في كلتا الحالتين.