يعد قصر قبة واحداً من أكبر القصور الأثرية بالمنطقة، بُني عام 1351ه بأمر من جلالة الملك عبدالعزيز - رحمه الله - لتوطين البادية ومراقبة المهربين عبر الصحراء بإشراف (الاستاذ) بن مقبل - الذي يعد من أمهر البنائين بالقصيم -، واستغرق بناؤه بضع سنوات لُبعد مواد البناء المعتمدة على الطين الذي كان ينقل على ظهور الإبل والدواب من مكان بعيد، وبقية مواد البناء كالخشب والأبواب والشبابيك والمواد الأخرى نقلت من بريدة (150كم) على ظهور الإبل عبر رمال شديدة الوعورة. ويحتوي على مقر لرئيس المركز وسكن لعائلته، وكذلك مقر لمدير البرقية (راعي البرقية!)، وغرف للضيافة ومسجد وسجن وبئر، وخمسة أبراج للمراقبة وغرفة داخل كل برج. مغامرات في النفود بين الهجّانة ومهربي الدخان تحولت بعد سنوات إلى مطاردة بين «الهافات» و«عنتر تاش» وقد تعاقب عليه كثير من المناصيب والأمراء قبل أن يتغيّر المسمى إلى (رؤساء مراكز)، ومنهم: محمد بن عرفج، إبن نفيسة، ناصر بن دوخي، إبن سالم، إبن شهيل، إبراهيم بن عمّار، سعد العميري، علي بن سيف، عبدالرحمن بن شبيب، عبدالله الفرم، وحالياً الشيخ «محمد عبد المحسن الفرم»، وسكنه الأمير عبدالعزيز بن مساعد أمير حائل في بعض جولاته عندما كانت قبه تتبع مقاطعة حائل، كما كان المناصيب الذين تولوا بوجود الشيخ «محسن الفرم» كان هو المرجع الحقيقي لهؤلاء بأمر من جلالة الملك عبدالعزيز، وهو من كان يتولى أمر جماعته في تنفيذ الأحكام الشرعية. بسطاء صوروا المهرب «بطل أسطوري» واضطر البعض إلى حمايته ومساعدته في الصحراء جوهرة الصحراء وتكمن أهمية القصر من أهمية موقعه ببلدة قبة بالقصيم، والتي تحتل موقع جغرافي حسّاس في عمق الصحراء، ولا تزال تحتفظ بهذه الأهمية, حتى بعد ما أصبحت مدينة أنيقة استحقت لقب ( جوهرة الصحراء )، وذلك من النواحي الأمنية والاستراتيجية باعتبارها بوابة القصيمالشرقية، وهمزة الوصل بين خمس مناطق رئيسة بالمملكة تشترك معها بالحدود الإدارية وهي منطقة الرياض - المنطقة الشرقية - الحدود الشمالية - منطقة حائل، بالإضافة إلى تبعيتها لمنطقة القصيم والأهمية نفسها عندما كانت هجرة مقطوعة في الصحراء تتصدى للمهربين الذين لا تقتصر مهرباتهم على الطعام واللباس الذي كان قد أُخضع للجمارك، بل إلى ما هو أكثر خطراً مثل الأسلحة والذخيرة والممنوعات الأخرى؛ فكان هذا القصر يدير عمليات حفظ الأمن في الصحراء والتصدي لعمليات التهريب ومطاردتهم عبر الشريط الصحراوي الذي يمتد مئات الكيلو مترات، ويفضله المهربون واللصوص والفارين من العدالة لاتساعه ووعورته وسهولة العبور إلى دول مجاورة بالاعتماد سابقاً على دوريات الهجانة؛ الذين كانوا ينتشرون بالصحراء لقطع الطريق عليهم، وعندما بدأ استخدام السيارات أواسط السبعينات الهجرية في التهريب؛ تضافرت جهود إدارة قصر قبة مع رجال خفر السواحل في تعقب المهربين وإيداعهم سجن القصر كواحد من أشهر السجون وأكثرها هيبة. «يا عوينك وارد الستّه لفاكم و(عنترك) خربان والخمسه رديّه» الخبيث المخبث! أغلب من كان يقبض عليهم هناك بعد مطاردات كر وفر هم مغامرو تهريب الدخان الذي عُرف بالتتن أو «المخزى» وبعضهم يقول عنه الخبيث ويزيد آخرون (الخبيث المخبث)؛ الذي كان يمنع دخوله البلاد، ثم أُخضع لنظام الجمرك، وكان يباع (دس) أي خفية بضعف أسعاره جعل منه ذلك هدفاً مغرياً دفع بالكثير منهم للمغامرة وارتكاب المخاطر، وظهرت معه في أذهان العامة والبسطاء صورة المهرب كبطل أسطوري أجج مشاعرهم وتغنوا بمغامراته وبطولاته، وبالغوا في تصويرها ونقلها ومالت معه مشاعرهم وعواطفهم باعتباره الحلقة الضعيفة؛ حتى أن بعض البادية يخفونه من باب النخوة مع سياراتهم داخل خيامهم في حالات الخطر والمطاردة. لقطة جوية لقصر قبة التاريخي رموز بطولية وساهم هذا الشحن العاطفي في شهرة بعض الأسماء فترة من الفترات تغذيها حكايات السمر مثل حكاية ذلك المهرب الخرافية الذي اخترقت كتفه رصاصة دورية أثناء مطاردته؛ فخلع يده من مفصل الكتف ومضى في قيادة سيارته بيده الأخرى بعد ما وضع يده المبتورة على الطبلون، ودخل معهم مدعون (جبناء)، وتحديداً عندما يصاب أحدهم بجرح أو خدش عارض - حتى لو كان رفسة حمار أجلكم الله - يربط الاصابة ويعلن أنها نتيجة مواجهة مع دورية الحدود؛ مما دفع بعض المهربة خصوصاً الماهرين منهم إلى إعلان أسمائهم الصريحة والتباهي والتحدي العلني لرجال خفر السواحل كرموز بطولية لا يهابون الموت، وجاراهم رجال خفر السواحل علنياً بتحديهم, وظهر للناس على شكل مساجلات شعرية ضمن ما عرف حينه ب «أدب التهريب»، وبما أن هذا القصر كان شاهد إثبات لإحدى مساجلات التحدي تلك أوائل الستينات الميلادية، فلا يمنع أن نعيد للقراء جزءا من مساجلة نشرتها «الرياض» قبل فترة ضمن موضوع عن (التهريب زمان)، والقصيدة التي بدأها شاعر خفر السواحل كانت امتدادا لسلسلة من حرب القصائد المتبادلة بينهم وبين المهربة، خصوصا عندما زود رجال دوريات الحدود بماركة من السيارات تسمى (عنتر ناش)؛ فقال شاعر خفر السواحل وهو ينصحهم بترك تهريب الدخان وكف التحدي والعودة ل(السرى) أي نقل الركاب بين المدن كنشاط مشروع وآمن كانوا يعملون به قبل مغامرات التهريب: ياهل الهافات (عنتر ناش) جاكم واعنا من صادفه بأرض خليه لعنبوكم هونوا جاكم عناكم جاكم الموت الحمر ماهي زريّه هفوة زلّت لكم وإكلوا (....) بيعوا الهافات بأقيام رديّه وإعلموا وإدروا ترانا في قفاكم ومن يقاوي له جبل ما راح نيّه ياهل الهافات عابينا عباكم الفروت أجداد والعزبة قويّه ياهل الهافات خيّبنا رجاكم نحمد اللي قدرته ما هي خفيّه بيعوا الهافات ردوا في سراكم خلّوا السمره وطولات الحنيّه الدهر ذعذع لكم ثمٍ جفاكم وإفهموا وإدروا ترى في الجحر حيّه خسرت الشركة وخيّبنا ثناكم وبعضكم بالقسط ما خلّص وديّه ياهل الهافات حنا من وراكم والسعد قدامنا في كل هيّه تحت حكم اللي عن المنكر نهاكم عن طريق الدين تلقون المنيّه عندنا اللي يمرجن باقي شواكم خمسه وستين ضد الجندليّه ليرد عليه شاعر التهريب بقصيدة طويلة على نفس القافية قال ضمنها: ياهل (العنتر) تبّين لي خطاكم والخطا راعيه يقنع بالخطيّه يا عوينك وارد الستّه لفاكم و(عنترك) خربان والخمسه رديّه كم ونيت لا كمل حمله وطاكم وقاعد بأرقابهن تثني الهديّه وإن لحقتو موتره عنده دواكم أرنب حمرا عيون مجادعيّه نقوش على أحد جدران السجن لاحتساب أيام الحبس ذكريات لا تنسى ولهؤلاء (المهربة) ذكريات لا تنسى مع هذا القصر بالذات (الدباب) أي السجن المظلم الذي يودع فيه (المطروحين) وهم المقبوض عليهم, يتذكر بعضهم سياط التأديب وجلجلة قيود السلاسل والعزلة الطويلة.. لا يخففها سوى قدوم أحد أهالي البلدة ليهمس في أذن ( المحابسي) - أي السجان - يقول له بصوت منخفض (عندنا عشاء ونبيكم تطلقون المساجين يتعشون معنا ويعوَّدون عليكم) فيستجيب لهم السجان.. بينهم ميثاق الشرف وهو يجزم أن لدى هؤلاء المسجونين من القيم ما يمنعهم حتى مجرد التفكير في الهروب، ويذكرون أيضاً الأيام التي قضوها وهم يلجأون إلى احتسابها على الجدران الداخلية للسجن على شكل خطوط يضاف إليها كل يوم خط جديد والباقية حتى يومنا هذا - التي نأمل في حال إعادة ترميم القصر أن يحتفظ بها على طبيعتها - عبارة عن خطوط متوازية منقوشة على الجدران ينقشها السجناء بعدد أيام الشهر مقسمة كل عشرة أيام بعلامة وهي طريقة متبعة قديما لمعرفة أيام المحكومية والمتبقي منها، وهي أيضاً مع بساطتها، إلاّ أنها تعد حالياً من أهم ملامح ومكونات القصر ولها بعدها ومدلولها التراثي العميق، ومثل ذلك عدد من السيارات القديمة من موديلات الخمسينات والستينات قبض عليها وتم مصادرتها في عمليات تهريب لا تزال متوقفة في ساحة القصر في العراء لأكثر من ستين عاماً، وهذه السيارات يفترض إعادة تأهيلها والاحتفاظ بها لاستخدامها ضمن معروضات القصر ومقتنياته عند تحويله إلى مركز تراثي بحسب وعود هيئة السياحة. سيارات المهربين تم القبض عليها بعد مطاردات طويلة وشاقة في الصحراء تقييم كامل وبيّن «د. جاسر الحربش» - المدير التنفيذي للهيئة العامة للسياحة والآثار بمنطقة القصيم - ل»الرياض» أن القصر سيخضع لتقييم كامل ودراسة حالته للمحافظة عليه وبقائه، مشيراً إلى أهمية القصر، وكذلك أهمية موقع قبة التي تعد حلقة وصل هامة، كما سيكون القصر موقعا مميزا من مواقع التراث العمراني. وقال إن وقوع قبة وسط النفود يجعلها مميزة وتستخدم من هواة الرحلات ومحبي الصحراء، ونرغب تكرار قصص النجاح التي بدأت في المنطقة مع قطاع البلديات ومشاركة المجتمع المحلي في القصيم، مثل ما تم مع بلدة الخبراء وسوق المجلس في المذنب. القصر ينتظر تحويله إلى مركز سياحي «الرياض» من جانبها تشير إلى أن قصر قبة مشمول ضمن مشروع برنامج تأهيل قصور الدولة السعودية في عهد الملك عبدالعزيز الذي جاء على لسان أحد المسؤولين ويهدف إلى إعادة تأهيل وتوظيف المباني التاريخية في عهد الملك عبدالعزيز كمراكز حضارية وثقافية، واستثمارها كمواقع مشتركة بين ثقافية ومنابر تراثية، وتأسيس شركة تراثية بهذا الشأن بالتضامن مع شركة وطنية وأخرى إسبانية، إلى جانب صندوق الاستثمارات العامة، وبالتالي ينتظر جهود المسؤولين بسرعة تحويله إلى مركز سياحي ومعلم تراثي خصوصاً انه لا يزال يحتفظ بملامحه التصميمية والإنشائية، وبالتالي سهولة أعمال التأهيل والترميم. فناء القصر، حيث تقف السيارات ويسجل التاريخ مواقف لا تنسى القصر يقع بين خمس مناطق رئيسة وله مكانة وهيبة عند المهربين القصر من الداخل ينتظر التأهيل والترميم نقش تاريخ البناء لتوثيقه