رغم مغريات فكرة الحياة الهانئة الهادئة إلا أننا كثيراً ما نسمع عن صراع وعلاقة شائكة داخل أسوار بيوتنا العائلية، وعن أم الزوج وزوجة ابنها تنسج قصص وحكايات، ومواقع وأحداث، وحياة في سجال وخلافات تصير البيت كحلبة صراع صريح أو مخفٍ وكل الضربات تنزل على الابن أو الزوج نقطة التصويب، وسبب احتدام الوطيس. ذلك الحال يفسره اعتقاد أم بأنها تدافع عن حقها المطلق في من أفنت حياتها لتربيته ورعايته وتنشئته، وبزعمها هو جهدها وتعبها الذي ليس من السهل أن ترضى أو تتقبل مجرد فكرة ظهور من ستنتزعه منها، وتحتل المساحة الأكبر من حياته ووقته وإحساسه ومجلسه. والزوجة هي الأخرى لن تتنازل عن حقها فيه، فهكذا لقنوها منذ نعومة أظفارها، أنه سيكون لها زوجاً يحميها، وأولى بحبها ومخزون مشاعرها، ومن سيصون حقها وكرامتها، هو "حلِيلها" في عرفنا وقد تحسبه صار حلالها وليس لأحد أن ينازعها عليه. .. كلتاهما تمتلكان بعض الصواب فيما لو راعينا التكوين النفسي لحواء إذا أحبت، لذا فالحيرة ستعصف بالابن أو الزوج المسكين، الذي سيغدو بين نارين، نار واجبه نحو والدته فإن انتصر لهذا الحق كسر بخاطر شريكة عمره، وسبب عجاجاً في أجواء علاقته الزوجية، بالذات إذ كان معتقداً أن غير ذلك الحرص هو من العقوق الذي لا يقبله شرع ولا عرف ، وفيما لو تنبه لحال زوجة عنيدة أو ضعيفة الوازع الديني أو لا تراعي حقوق والدين وتستغل شدة تعلق الزوج بها، ومع ذلك قد لا يرحمه حتى الناس وقد يقولون ( ولد أمه) وهذه الجملة كناية عن أنه ما زال في حجرها كما لو كان دون سن الفطام، وإلا فهي والدته فمن الطبيعي أن يكون ولدها!، وناره الأخرى فيما لو مال لزوجته وطلب راحتها وغزير ودها ورضاها، ودللها وقدر عهداً جمعهما على كتاب وسنة ، وبالذات إذ ما كان يعي غيرة أم هو وحيدها أو آخر العنقود بالنسبة لها، أو الوحيد الذي قرر الاستقرار معها في منزل العائلة، أو لأنها حادة الطباع، أو متسلطة تحب أن تتدخل في كل كبيرة وصغيرة وكل شاردة وواردة أو أي سبب قد يوافق مشاعر امرأة غيور بطبعها فيخلق ردود أفعال ملتهبة تصنع شرارة تسري في مساحة العلاقة المستقرة فتحرقها وتأتي عليها وتقضي على أخضرها ويابسها، وليت الناس يسكتون بل سيقولون "غسلت عقله" و"ساقته أو لعبت بمخه". ويبقى أن نذكر كون رضاهم غاية لا تدرك بحد ذاته حمل، وأحد المساعدات على الدمار الشامل. ولعل الأمر بحاجة لكلمة فصل من الدين ثم العقل، وتحكيم منطق الأم والزوجة لكي تقبل كل واحدة منهما بحق الأخرى مثل حقها، وتؤمن كل واحدة منهما بالتواجد الحتمي للأخرى لكي يتحقق الوئام والاتفاق والانسجام والأمان، كما أن الأمر بحاجة حكمة ورجاحة عقل رجل يحل الوضع ويمسك العصا من المنتصف بمبدأ: أن يعمل لآخرته ولا ينسى نصيبه من الدنيا، ورضا والدته وبرها والإحسان إليها والبحث عن ما تطيب له نفسها من خير الآخرة، والاستقرار والسعادة والود والمحبة في العلاقة الزوجية من أعذب مشارب الدنيا، والسعيد من حقق تلك المعادلة، وتجاهل حشرية وتطفل الناس، وأدرك بوعي أن الهناء والحياة السعيدة لن يعاني فقرها إلا هو، ولن يصنعها أو يحافظ عليها غيره. .. والله نسأل أن يحفظ للجميع أمهاتهم ويلبسهن لباس الصحة والعافية، ويكتب لهم برهن، ويصلح الزوجات ويجعلهن قرة عين لأزواجهن، ويديم للجميع السعادة والهناء.