ستشهد الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية الفرنسية منازلة حقيقية بين اساليب وافكار مختلفة بين المرشح الاشتراكي الاوفر حظا فرنسوا هولاند الذي يعرب عن "ثقته" ويشدد على "ثباته"، والرئيس المنتهية ولايته نيكولا ساركوزي الذي يبدي "تصميمه". ويحلم هولاند بان يكون الرئيس الذي يعيد اليسار الى قصر الاليزيه بعد غياب دام 17 عاما، فيما يطمح ساركوزي الى تكذيب كل استطلاعات الرأي التي تتوقع منذ سنة هزيمته. وللمرشحين العمر نفسه 57 عاما، وهدف مشترك خلال حملة ما بين الدورتين الانتخابيتين وهو استقطاب ناخبي اليمين المتطرف الذين لم يحسموا خياراتهم بعد. غير ان اوجه الشبه بينهما تتوقف عند هذا الحد اذ يتعارضان في كل ما تبقى. عرف هولاند وساركوزي مسارين مختلفين تماما. هولاند المتحدر من روان (شمال غرب) والمتخرج من المدرسة الوطنية للادارة، مهد النخبة السياسية الفرنسية، يضع نفسه في سلالة الرئيس الاشتراكي السابق فرنسوا ميتران ذاهبا الى حد تقليده. اما نيكولا ساركوزي، المتحدر من عائلة من المهاجرين المجريين والذي درس المحاماة، فقد دعا باستمرار الى "القطيعة" عن عهد سلفه جاك شيراك الذي كان مرشده في السياسة. وصل نيكولا ساركوزي الى سدة الرئاسة بعدما تولى عدة مناصب وزارية، في حين ان هولاند لا يملك اي خبرة حكومية. غير ان ممارسة السلطة تنعكس سلبا على ساركوزي في وقت وصلت نسبة البطالة في فرنسا الى مستويات قياسية تقارب 10%، وقد تراجعت في موازاة ذلك معدلات التأييد له ايضا الى مستويات قياسية. وقال هولاند ساخرا عن ساركوزي الذي دعا الى الاحتفال "بالعمل الحقيقي" بمناسبة الاول من ايار/مايو، انه في الواقع رئيس "البطالة الحقيقية". وان كانت التجربة الماضية لا تكبل المرشح الاشتراكي، الا ان افتقاره الى الخبرة هو نقطة الضعف التي يركز عليها اليمين في هجماته ضده. ويردد ساركوزي باستمرار انه خلافا لخصمه يعرف تماما "وزن (الرئاسة) وواجباتها". ويتعارض المرشحان بشكل تام في الاسلوب. ففي مواجهة ساركوزي الذي لقب بالرئيس "بلينغ بلينغ" بحسب تعبير يشير الى مظاهر الثراء والتبجح بها، منذ ان احتفل بفوزه في الانتخابات السابقة عام 2007 مع مجموعة من الاثرياء والمشاهير، يقدم فرنسوا هولاند نفسه على انه "الرئيس العادي" الذي يستقل القطار في تناقلاته. وهولاند البشوش والمعروف بسعيه الى الاجماع، يصف نفسه بانه شخص هادئ يتقدم "وفق وتيرته الخاصة" ولا يدع "شيئا يحول انتباهه" في مساره الهادئ نحو الاليزيه. وان كان خصومه يتهمونه ب"الضعف" و"الميوعة"، الا انه يرد مؤكدا "ثقته" و"ثباته" في سعيه ل"جمع" الفرنسيين. رئيس الدولة العصبي والنزق المعروف بعباراته اللاذعة، يشدد على انه "حيوي" و"ديناميكي" وهو يهوى المعارك والمبارزات ويردد "لا ينبغي على هولاند التهرب". واذ يعتبره الاشتراكيون استفزازيا يزرع الشقاق، يؤكد من جهته ان ما يريده هو "حماية" الفرنسيين. ويقول الخبير السياسي فيليب برو "انهما متعارضان تماما على صعيد الشخصية. ساركوزي كان على جميع الجبهات، تحت الاضواء، يتفاعل بسرعة فائقة. يحاول بعدما لقب ب+رئيس الاثرياء+ ان يبدو اقرب الى الناس. هولاند لم يكن معروفا كثيرا لفترة طويلة، وهو رجل عادي يحسن الامتناع عن القيام برد فعل والاختباء خلف الفكاهة. هدفه هو ان يرقى بنفسه الى مقام رئاسي". اما بالنسبة للمضمون والمواضيع، فخلافا لحملة 2007 حين كان ساركوزي يسعى لاجتذاب اصوات الاشتراكيين مستشهدا بالقائد الاشتراكي جان جوريس فيما كانت المرشحة الاشتراكية انذاك سيغولين روايال تستميل المحافظين بدعوتها الى "نظام عادل"، يبدو الاختلاف جذريا اكثر هذه المرة. فرنسوا هولاند الاجتماعي الديموقراطي يطمح الى تحقيق نمو بدل الاكتفاء بالتقشف المنصوص عليه في الاتفاقية المالية الاوروبية، وزيادة الضرائب على الاكثر ثراء ومكافحة البطالة من خلال استحداث وظائف ولا سيما بالنسبة للشباب والعودة عن اصلاح النظام التقاعدي. اما ساركوزي الذي يجاهر بمواقفه الليبرالية، فهو ملتزم بالمعاهدة المالية ويريد خفض الاعباء عن الشركات من اجل تحفيز التوظيف، ومواصلة خفض عدد موظفي الدولة والحد من المساعدات الاجتماعية. ويصل التعارض التام بين المرشحين الى مشاريعهما الاجتماعية، اذ يؤيد هولاند زواج مثليي الجنس ومنح الاجانب حق التصويت في الانتخابات المحلية، فيما يتمسك ساركوزي بالعائلة التقليدية ويشدد على ضرورة ضمان الامن ومكافحة الهجرة. واذ يردد هولاند باستمرار في خطابه عبارتي "العدالة" و"الاخلاق العامة"، يشدد ساركوزي من جهته على "العمل والمسؤولية والسلطة".